التقرير - السعودية ربما يظن البعض بأن منظومات الاستبداد في الخليج هي منظومات تتسم بالغباء في طريقة إداراتها للبلاد بشكل عام، وذلك نتيجة قراءة واستطلاع وبحث ما دخل على هذه الدول من دخول لم يكن لشعبها ولا لها في المقام الأول أيّ جهد يذكر، وإنما ثروات تنبت من تحت الأرض تستخرجها أيد أجنبيّة تاريخيًّا ولا زال الحال كذلك في المجمل وتُباع في السوق العالمي ومن ثم تأتي العملات الصعبة من كل صوب، فتقوم هذه الحكومات ببناء مشاريع حقيقة تبنيها أيد أجنبية تخلطها بمشاريع وهمية لأهداف المصالح الخاصة فنتجت دول "ريعية قبلية" مشوهة ليست بدول حديثة، إنما قامت بهدم الأسس القديمة لإدارة المجتمعات العربية. وليس لديها مستقبل اقتصادي ولا سياسي يُذكر، وإنما تعيش اللحظة، وتعيش أعداد ضخمة فيها على مرتبات "الضمان الاجتماعي"، وهي الوظائف الحكومية التي لا يقابلها إنتاج يذكر، فأنتجت مجتمعات استهلاكية. بمجرد أن ينطفي آخر قطرة من النفط ستتوقف الحياة في مدن الملح كما توقفت حياة البشر الطبيعية عندما تدخلت فيها السلطة المستبدة المشبعة بالنفط في كل شؤون الحياة دون قدرة على إدارة حقيقة. إذًا، بعد هذه القراءة السريعة نصل لنتيجة وهي أنّ هذه المنظومات المستبدة تتسم بالغباء. الواقع في نظري هو عكس ذلك تمامًا؛ فهذه المنظومات المستبدة تستمدّ ذكاءً حادًّا في إدارة الخطابات داخل المجتمعات وتقسيمها إلى عدة مستويات تستفيد من كل واحد في ضرب الآخر، والأهم من ذلك تستفيد منهم جميعًا في ضرب أي مطالب إصلاح حقيقي أو جذري. وهذا الذكاء المستخدم للحفاظ على الكراسي هو ذكاء ناجع للمصالح الخاصة لا يحمي وطنًا لا يني نهضة ولا يحمي شعبًا، إنما هو لزيادة السلطة والحفاظ على الدخل الخاص منها وتقسيم الكعكة بين الناهبين والطامعين والفاسدين والمستبدين. وهذا لا ينفي عنها صفة الذكاء، بل هو ذكاء اننتشر بنفس صيغته في المجتمعات، فيسمّى "فلان ذكي" أو "فلان ذيب" أو "فلان يعرف وين تؤكل الكتف منه"، ويقصد في الغالب أنّه يعرف كيف ينهب من المال العام أو من الأموال الخاصة لنفسه. بناءً على هذا، فما يسمى "النخب" في المجتمع هم في الواقع ليسوا سوى أشخاص تستطيع هذه المنظومات المستبدة خلق مسارات لهم، أهم ما فيها التعارض بينهم لخلق نزاعات متواصلة في مواضيع في جلّها من نتاج الاستبداد، وتحرص هذه المنظومات أن تشارك كافة هذه النخب في حرب مَن يسعى للإصلاح الحقيقي تحت عنواين مختلفة إما "درء الفتنة" أو "الواقعية" أو "لم يحن الوقت" أو "المجتمع غير جاهز" أو أنّ منهج من يطالب بالإصلاح ليس منهجًا صحيحًا بشكل كامل؛ وكأن منظومات الاستبداد على مذهب الصحابة. منظومات الاستبداد مشاريعها واضحها وتعمل بذكاء لها، أما الآخرون فمشاريعهم جلّها في دوائر تدور في فلك المستبد وتعمل عمل الملاهيات. إلّا أن ما أن يحلّ الغضب الشعبي فلا ينفع عنده لا إصلاح ولا ملاهيات، فتنتج خسائر عظام كانت المجتمعات والشعوب في غنى عنها لو هناك نخب تعمل للصالح العام وتحمي ظهور من اختلفت معها لهذا الصالح العام في سبيل إصلاح أوطان تسير بسرعة هائلة نحو الدمار. إذًا، بدل أن نوجّه خطابنا للحكومات بالإصلاح، لا يوجد سبيل سوى تحمل المسؤولية والأخذ بزمام المبادرة من كلّ شخص ينظر الناس له أولًا، والأهم من ذلك من كلّ شخص على هذه الأراضي أن يتحمل مسؤوليته؛ فمبجرد وجود قوى شعبية حقيقية ستخضع منظومات الاستبداد للإصلاح لأنها تتمتع بالذكاء الحاد في سبيل حماية مصالحها الخاصة، ولن يكون أمامها آنذاك سوى التحالف مع الشعوب للخروج من أزمنة الظلم والظلام إلى عصر العدل والنهضة. إذا لم يحصل الإصلاح الجذري، فستبقى هذه المنظومات "الذكية" تستنزف خيرات هذه البلاد وتستبد بحكمها عن الناس؛ فتسجن مَن تشاء وتطلق مَن تشاء ولا تحاسب على شيء عملته. ستبقى هذه المنظومات حتى آخر قطرة نفط، ولن يعلن بأن النفط انتهى أو سيتنهي، وإنما سيصحى الناس وقد هربت الأعداد الضخمة على طائرات خاصة، فيما تبقى من النفط ليلحقوا بأموالهم، فلم يعد يوجد سبب للبقاء في الصحراء بلا ماء!