العرب اللندنية كعادته، يسبق المغرب غيره، وملكها يتقدم الآخرين في وضوح الرؤية، ودقة المعرفة بما يجب أن يحدث، وبما لابد من عمله لتحصين الوضع السياسي لبلاد متوثبة للقفز إلى مصاف الدول الحديثة. منع العاهل المغربي محمد السادس الأئمة والخطباء وجميع المشتغلين في المهام الدينية من ممارسة أي نشاط سياسي، أو اتخاذ مواقف تخل بالطمأنينة والتسامح والإخاء، في الأماكن المخصصة لإقامة الشعائر. هذا القرار سيثير، بالطبع، غضب المنتفعين من تجارة الدين، ممن وجدوا في الانتساب إلى مصاف الأئمة والشيوخ فرصة للتكسب المالي والسياسي. ما أكثر هؤلاء في شرقنا العربي، وما أحوجنا إلى مواقف تنهج نهج الموقف الملكي المغربي في دولنا. لكن هل نستطيع أن نفصل بين دور المسجد التوعوي المشيع للأمن والاستقرار، بدل تركه سائبا لحركيين يستخدمونه لترويج خطاب البغضاء والكراهية والعنف والفتنة. على دولنا المشرقية أن تحذو حذو المغرب وملكها. قد يتساءل البعض: وهل لديكم في بلادكم نقابات أو عمل سياسي؟ التساؤل مبعثه أنه لا يرى لافتات ولا مقرات لأحزاب، بينما الحقيقة أن لدينا أحزابا ونقابات لكن دون لافتات، وحركات سياسية يقودها تجار دين يسبّحون ليجمعوا الدينار والريال، ولينافسوا الأنظمة على الحكم. حين حكم الإخوان، جرّبت مصر آفة التداخل بين النشاطين الديني والسياسي، فكانت النتيجة كارثية والحصيلة مفزعة، لا تزال مصر تدفع ثمنها حتى اليوم، لذا علينا ألا نكرر هذه التجربة، وأن يبقى النشاط الديني توعويا متسامحا متصالحا مع كافة شرائح الشعب، لا أن يكون عملا حزبياً يسيء إلى الدين وسماحته والمجتمع وتطلعاته. رأينا استعمال الدين في الثورات، وها نحن نشهد الفصل الأكثر مأساوية، متمثلا في تحطيم المتطرفين المتعصبين لثورة شعب سوريا، والفصل الأكثر ظلامية متمثلا في الدور القبيح الذي يلعبه تجار الدين في العراق، اليوم، وكيف تمتطي داعش الثورة المحقة التي قامت بها عشائر العراق. وأخيرا ها نحن نشهد كيف يسبح القيطون في السعودية والكويت، محاولا زرع الفتنة بين شرائح الشعب، وتصنيفه بين مسلمين (يقصد بها خرافهم) وملحدين (ويقصد من لم يتورط في مشروعهم الذي يستغل العاطفة الدينية للناس). وصدق من قال الدين لله والوطن للجميع.