اليوم السابع - القاهرة قالوا تعرف الهايف منين؟! قالوا: يجيى فى الهايفة ويتصدر، والهَيْفُ فى معاجم اللغة العربية هو شدة العطش بسبب الريح الحارة، بينما فى قاموس المصريين هو الكلام الفارغ أو التافه، ويستخلص المصريون من «الهيف» وصفا لكل رجل أصابته التفاهة ودفعته لأن يصنع من صغائر الأمور ضجة كبرى، فيقولون هذا رجل هايف، وتلك قضية هايفة. قالوا: تعرف الدولة الهشة منين؟! قلت: تيجى فى الجرافيتى، أو بوستر لا للدستور أو ورقة هل صليت على النبى اليوم وترتعد فرائصها، وتنشط بداخلها محفزات نظرية المؤامرة، وتنتصب فى جسدها شعارات الحفاظ على الأمن القومى، ومن ثم تنطلق ألسنة رجالها ومسؤوليها فى تصدير تصريحات لا يتناسب حجم فخامتها وحماسها وأهمية المرادفات المستخدمة فى صياغتها مع تفاهة أو بساطة الحدث محل النظر أو النقاش. حدث هذا فى حالة الجرافيتى الذى أصبح فجأة مؤامرة تمولها الدول الغربية لتشويه المعمار المصرى والتلاعب فى الهوية المصرية، ثم تكرر حينما جعلوا من بضعة بوسترات رافضة للدستور فى القاهرة والإسكندرية مخططا دوليا وإخوانيا لإفساد الاستفتاء على الدستور وضخموا دون إدراك بضعة معارضين وجعلوا منهم كتلة قوية قادرة على إخافة الدولة لدرجة تدفع ضباطها إلى اعتقال أفراد تعلو سياراتهم ملصقات ضد المحاكم العسكرية وترفض الدستور، ثم وصل الأمر إلى مداه مع انتشار ورقة معلقة على مؤخرات السيارات وعلى بعض الأكشاك يملأ أركانها سؤال يقول: «هل صليت على النبى اليوم؟». انتفضت الأجهزة الأمنية وارتعدت الدولة وكأنها ضعيفة لدرجة تخشى فيها من ورقة، وانطلق المحللون فى البحث عن أصل وفصل ورقة هل صليت على النبى اليوم، ثم انطلقت الداخلية فى ممارسة هوايتها المفضلة بإطلاق تصريحات أمنية ضخمة لا تتناسب أبدا مع ضآلة حجم الحدث، فحولته دون أن تدرى من حدث تافه إلى قضية خسرتها الدولة. تصريح واحد من الداخلية عن تطبيق قوانين المرور التى تمنع الملصقات الدينية على أجزاء السيارات المختلفة كان كافيا لأن ينهى قضية ورقة هل صليت على النبى اليوم، ولكن أحدهم فى مكتب الوزير أخذته الشجاعة وقرر أن يواصل المعزوفة الأمنية الأخيرة التى تضرب على أوتار الوطن المهدد والخطر المحدق ورجال الداخلية الأبطال الذين يواجهون هذه الأخطار بصدور عارية، وقال فى تصريحات تليفزيونية: «سنقضى على هذا الملصق فى خلال أسبوع». قالها المسؤول الأمنى الكبير من هنا، وتلقف الإخوان التصريح وأعادوا تدويره وبثه كدليل جديد على أن دولة السيسى أو سلطة ما بعد30 يونيو تخشى الإسلام، وتخاف ورقة تدعو للصلاة على النبى عليه أفضل الصلاة والسلام، فهل صمتت الدولة أو استوعبت الدرس؟ لا لم يحدث، بل انطلق رجالها يروجون إلى المخطط الشرير واللغز العنيد العتيد وراء انتشار مثل هذا الملصق الدينى الغريب، لتتحول ورقة بيضاء بسيطة إلى شوكة فى حلق السلطة تثير من حولها موجات شك وارتياب وارتباك لا تحتاجها دولة بدأت تقول يا هادى منذ أيام. كان على أحدهم أن يسأل هل يحتاج المصريون إلى ورقة تذكرهم بالصلاة على النبى الحبيب؟ ثم يبدأ فى استنتاج أسئلة من نوعية ما علاقة هذه الورقة المنتشرة فوق السيارات بالتاريخ المصرى الطويل للكتابات التى تزين سيارات النقل والميكروباصات والأجرة والتى لا تخلو أبدا من شعارات دينية مثل مدد يا رسول الله، ويقينى بالله، وغيرها من قطع الأحاديث والأدعية المختلفة؟ ثم بعدها يأتى السؤال الطبيعى من يقف وراء انتشار هذا الملصق وما غرضه من ذلك؟ وقتها ستأتيه إجابات بهذا الشكل ربما تدفعه للتفكير قليلا قبل أن يفتح صدره ويضخم ألفاظ تصريحاته وينساق إلى الفخ. أغلب التفسيرات والمؤشرات التى تبحث عن أصل لانتشار ملصق هل صليت على النبى اليوم تشير إلى أنه ربما إحدى الجماعات أو التيارات السلفية قد قررت أن تبدأ من جديد فى غسل سمعتها من رواسب السياسة التى علقت بتيار الإسلام السياسى عموما، ولم تجد هذه الجماعة أفضل من العودة عن طريق عمل دعوى بسيط له علاقة بآل البيت والنبى عليه الصلاة والسلام، بعبارة لا تثير خلافا أو شقاقا أو شك دولة، ولكنها فى نفس الوقت تقول للناس إن بعضا من الإسلاميين مازالوا على قيد الحياة الدعوية، ومازالوا قادرين على الحركة وسط الناس والمجتمع. الاحتمال الثانى يشير إلى إمكانية تواجد جماعة الإخوان خلف انتشار هذا البوستر، بهدف التأكيد على أن الجماعة مازالت قادرة على تحقيق أكبر قدر من الانتشار وسط ملايين المصريين، وفى نفس الوقت لإبقاء الشارع على وعى بأن تيار الإسلام السياسى لم ينته، ومن بعد هذا الهدف يأتى توقع إخوانى بأن انتشار بوستر بهذا الشكل المكثف فى تلك الأجواء المتوترة سيدفع الداخلية أو الدولة لاتخاذ إجراءات مرتبكة لمطاردة البوستر أو اتهام الجماعة بأنها تدعو الناس للصلاة على النبى، وهو الفخ الذى ذهبت إليه وزارة الداخلية وبعض مؤسسات الدولة صاغرة راضية، حينما أعلن المسؤول الأمنى الكبير الحرب على بوستر الصلاة على النبى محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. الاحتمال الثالث وهو المفضل لدى، ويؤكده عبثية سير الأمور فى مصر منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن هو أن البوستر عشوائى الانتشار مثلما كان عشوائى الظهور، لا تدعمه جماعة، ولا يساهم فى توزيعه تيار معين، فقط هى العادة المصرية الأصيلة التى تحب كل ما هو دينى شعبى، وكل ما له علاقة بآل البيت، وكل ما تعتقد أنه يقربها لله دون بذل جهد فى شعائر أو طقوس أو مراعاة الله فى معاملة. يعشق المصريون كل المظاهر التى تدل على تدينهم طالما لا تضطرهم لبذل جهد فى إثبات ذلك، وهل يوجد ما يحقق لهم هذا الأمر أكثر من بوستر لن يكلفهم وضعه على السيارة أو على واجهة المحل شيئا، هل تنتظر من شعب كان أهله يسارعون بطباعة ورقة أدعية حذرهم رجل يكتب فى الورقة أنه شاهد الرسول فى المنام وأخبره أن من لم ينسخ هذه الورقة وينشرها على 100 من أهله سيفقد ولده؟ هل تستنكر على شعب يرسل إلى 10 من أصدقائه دعاء على فيس بوك أو واتس أب لأن فى خاتمته تحذير بأن من يتكاسل عن نشر الدعاء سيصيبه مكروه، هل تستنكر على شعب يقول يدعوك بعض أفراده لعمل «لايك» على صورة بالفيس بوك على صورة طفل يصلى لكى يتحدى بها اليهود والنصارى على الإنترنت؟ لا تتعجب من المصريين وابتكاراتهم، ولكن تعجب من الإخوان الذى ركبوا موجة الملصق وسعوا لإيهام الناس بأن دولة السيسى تكره الإسلام وتحارب رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، وتعجب من أجهزة الدولة التى ساقت نفسها بنفسها إلى حيث الفخ وهى ترفع شعار الحفاظ على الأمن القومى، لتبدو وكأنها دولة هشة تخيفها انتشار ورقة تدعو للصلاة على النبى، وتربكها أسئلة مشروعة مثل متى وأين ولماذا انتشر هذا الملصق فى الشوارع المصرية؟