الحياة - سعودي أكره الطائفية، وبخاصة حينما يؤججها أناس بعيدون من لهيبها آمنون مطمئنون في بلاد أخرى، ولكني أكره أيضاً محاربة الطائفية بطائفية أخرى لا تقل عنها خطورة، تجعل الظالم في خطابها مظلوماً، والمظلومَ ظالماً، وتسمي البغي والعدوان والتجاوز والقتل على الهوية واضطهاد طائفة بعينها حقاً مشروعاً يفرضه الأمن القومي ووحدة الوطن! ثم إذا ما شاء المضطهد المظلوم المصادَر الحقوق أن يطالب بحقه ويدفع عنه الاضطهاد سمّوا ذلك طائفية تهدد وحدة الوطن! الأحداث المتسارعة بالعراق لم تكن مجهولة السبب، فالاضطهاد الطائفي والإقصاء والتهميش الذي تمارسه حكومة المالكي على أهل السنّة النسبة الغالبة بات خبراً مستفيضاً يعلمه القاصي كالداني، ومن ثمّ فكل طائفية يُكوى بها أهلُ العراق فحكومته هي المسؤولة عنه أولاً، ولا يعني هذا تسويغها والاعتذار عنها؛ ولكن يجب أن يسارع إلى رفع الظلم عن المظلوم، والاضطهاد والتهميش عن المضطهدين؛ ليستقيم له قيام دولة مدنية يهنأ أهلها بالتعايش. الآن خرج بعضهم ينعق بخطر الطائفية، ويصرخ في وجوه العراقيين يخوّفهم من مغبّتها! أين هؤلاء الغيورون على وحدة العراق من طائفيةٍ فجةٍ مارستها حكومة المالكي سنين عدداً على أهل السنّة؟ أعلمُ يقيناً أن «داعش» هي الأخرى تمارس طائفية مضادة، وعدواناً أثيماً يبلغ حد القتل على الهوية؛ لكنها لا تمثل طائفة أهل السنّة بحال، كيف وهي أول من صُلِي بنارها؟ واختزال المقاومة العراقية في «داعش» مغالطة مكشوفة، وتلبيس مفضوح. بعض وسائل الإعلام لديها حساسية مفرطة من خطاب الدين المسيَّس، وإن لم يكن في خطابه تحريضٌ على العنف، أو تكريسٌ لطائفية؛ لكنها ترى أن أي بيانٍ منه حول حدث سياسي ما فهو محسوب في نظرها من تسييس للدين بالضرورة، غير أننا افتقدنا توجّسها من تسييس الخطاب الديني، وبدت لنا كما لو أنها تعافتْ تماماً من حساسيتها المفرطة تلك، ونحن نرى الرموز الشيعية المعمَّمة تلوك خطابَ كراهيةٍ فجّاً، وتحرض طائفتها على الطائفية، ثم تصِف بعض وسائل الإعلام ذلك بأنه دعوة للتطوع! وتسمي المستجيبين لخطابهم الطائفي متطوعين، وتصف هؤلاء المعمَّمين ب «المرجعية الدينية»، ولو كان من فعل ذلك رموزاً من أهل السنة لسمتهم محرِّضين إرهابيين! السيستاني هو الآخر كان خنس فترة الاحتلال الأميركي للعراق كله، فلم ينبس بأية مفردة تدعو لمقاومة الاحتلال، ثم هو اليوم يستنفر طائفته لحرب طائفية مبعثها القتل على الهوية، ويصف الآخرين بالإرهابيين، فهل سنرى من وسائل الإعلام تلك المحسوبة على أهل السنّة نقداً لاذعاً للسيستاني يتهمه بتسييس الدين؟ وهل ستجرؤ على وصفه بالمحرِّض؟ نرجو أن نرى منها شجاعة في هذا من دون أن يكون الحامل لها على ذلك تغيّراً في المواقف السياسية يدفعها إلى مهاجمته ونقده. * أكاديمي في الشريعة. samialmajed@