الشرق الأوسط اللندنية أصبحت صفة المثقف هذه الايام تطلق على الكاتب الهاوي والأكاديمي المتخصص والمؤرخ المتمرس والصحافي المجتهد والطبيب والمهندس والقارئ المطلع. وراء كل هؤلاء الذين سموا ب"المثقفين" يختفي المثقف ويضمحل وينتفي دوره. ان تحديد من هو (المثقف) ضرورة ملحة لخلق وعي حقيقي، لكي نصبح قادرين على التعامل مع الاشكاليات التي تواجهنا بصورة تليق بمجتمع يملك كل المقومات والإمكانات التي تؤهله ليصبح واعياً بمحيطه. لا بدّ من تحديد هوية المثقف إذا ما أردنا أن نجعل منه مسؤولاً عن خلق الوعي للأفراد أو للمجتمع او للسلطة. وبعد كل فضيحة تحدث في المجتمع تُظهر غياب أي صورة من صور الوعي، يطرح السؤال نفسه، على من يقع اللوم بين كل هؤلاء "المثقفين"؟ من هو المطالب بخلق الوعي لدى المجتمع؟ قد يقول قائل جميعهم مطالبون. إجابة جميلة، ولكن هذا القول بعيد عن الواقع، انه أشبه ما يكون بطوبى من طوبويات المدن الفاضلة. ثم اذا افترضنا ان هذا صحيح، اذا كان هؤلاء كلهم مطالبين بخلق وعي، من الذي تبقّى لكي يكون محط هذا الاستهداف؟ الانسان البسيط والعامل؟ من الواضح ان الاستمرار بمثل هذا الخط من التفكير يتجه بنا الى بحث كامل لست بصدد معالجته هنا. مصطلح المثقف ومفهومه حديث، ولا وجود له على الأقل في ثقافتنا العربية. المثقف هو فرد من المجتمع، قادر على نقده وعلى رؤيته على حقيقته، وفي الوقت نفسه قادر على تسليط الضوء على الحقائق مهما كانت بشعة. وكما تقول العبارة الشهيرة "المثقف مرآة المجتمع" مهما كان هذا الواقع جميلاً أو قبيحاً، فإن المثقف مجبر على ان يوضحه "للمجتمع" كما هو، وهذه نقطة محورية. المثقف ينقد المجتمع من أجل إصلاحه. وكما ينتقد المجتمع ينتقد السلطة. إذ ان المثقف يقف ناقداً لكليهما، ولكن من دون ان يُنفى من الاثنين؛ أي ان يبقى على الرغم من نقده للسلطة معترفاً به من قبلها، كما على المجتمع ان يقبله فردا منه. هناك ضرورة إذاً لفصل صفة المثقف عن الانسان المتعلم، او المتخصص او المطلع، لأن المثقف بصفته مبتكرا للوعي وداعياً إليه، يجب ان يعرف وان يرى وان يسمع وان تكون هناك شريحة من الافراد المتعلمين القادرين على استيعاب منطق المثقف، وبالتالي التفاعل معه، وليس شرطاً الموافقة على ما يقول.