الشرق الأوسط اللندنية نعم، كان ضروريا ذاك الإجراء الإداري الذي اتخذ بحق المذيعة التي ضحكت على الهواء خلال التغطية المباشرة لحفل تنصيب الرئيس المصري الجديد معلقة حين سمعت بخبر حدوث حالات تحرش جنسي في ميدان التحرير في القاهرة بالقول: «مبسوطين بقى». لقد سبب ما تفوهت به المذيعة المعروفة انزعاجا وغضبا كبيرين لم يخفف منه تبريرها بأنها لم تكن تعرف التفاصيل أو أنها لم تقصد، فقد قالت الإعلامية ما اعتقدته طبيعيا في لحظتها، ولكنها ندمت عليه حين دققت به ولمست انعكاساته. إذن، إنه ذلك التعليق الأول الذي يسبق العقل هو الذي غلب ردة فعلها. وهنا يبدو التوقف عند الضحكة وعبارة «مبسوطين بقى» ضروريا، ليس لتضخيم خطأ فردي، بل لفهم ما الذي يدفع بإعلامية معروفة لقول ما قالته. أجل، لقد كانت ردة فعلها «عفوية» ليس لجهة صوابيتها أو براءتها، أبدا على الإطلاق. هي عفوية لجهة ما عكسته من عطب جماعي مزمن نعانيه نساء ورجالا في التعاطي مع قضية حساسة وشائكة من نوع التحرش والاعتداء الجنسي على النساء، فتخرج منا ردود فعل نغفل كم تعكس من صدوع عميقة باتت تملأنا. ما صبّ تقريبا في الخانة نفسها التعليق الذي أطلقته فنانة معروفة حين علمت بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للضحية فقالت تعبيرا عن «غبطتها» بالزيارة: «يا بختها ما ينفعش حدّ يتحرش بينا». ما بدا انعدام حساسية مضاعفا تجاه الضحية. لم تكن ردة فعل المذيعة أو تعليق الفنانة هي السقطات الوحيدة أو العبارات الوحيدة الفاقدة للمسؤولية التي شابت بعض التعاطي مع واقعة الاعتداء الجنسي الجماعي على فتيات وسيدات الأسبوع الماضي. لقد تشعبت الإساءات الإعلامية إلى جانب الأذى الجسدي والنفسي الذي عانت منه الضحايا. فبداية أقدمت وسائل إعلام ومواقع إلكترونية معروفة على نشر الفيديو الذي صور هستيريا جماعية في انتهاك جسد النساء وأظهر هوية بعض الفتيات المعتدى عليهن بشكل واضح. لا يشفع لتلك الوسائل إرفاقها نشر الفيديو بعبارة: «نعتذر عن نشر المحتوى»، فهذا الاعتذار اعتراف بأن ما ينشر لا ينبغي نشره. إنه الحق الأولي والطبيعي والبديهي الذين ندين به لضحايا مثل هكذا اعتداءات، وهو صون خصوصيتهن واحترامها لا تعميم الانتهاك وتأبيده من خلال نشره على «يوتيوب»، ما يجعله جرحا مخلدا في الذاكرة مضاعفا من صعوبة تجاوز الضحية له. نعم كان هناك استنكار ومحاولات مجابهة لآفة تتضخم، هي الاعتداء والتحرش الجنسي في مصر، لكن الخطاب والثقافة التي تحيط بتلك الظواهر لا تساعد على احتوائها ومحاصرتها، خصوصا حين يتكرس وعي أجيال صغيرة على أن الفتيات والنساء هن من يتحملن وزر تعرضهن للتحرش. ما قالته المذيعة والفنانة وما تقوله تصريحات عديدة سابقة ولاحقة، كرست فينا ذلك المنطق الذي يعكس عقلا لا يحترم المرأة ويختصرها، كما قال إعلان يفترض بأنه يشجع الفتيات على الحشمة، بأن الفتاة كقطعة الحلوى إن كانت كاشفة سيتهافت عليها الذباب. يجمع الباحثون والمتابعون لهذه الظاهرة الخطيرة في مصر على أن أحد الأسباب الرئيسة لها هو التقبل المجتمعي لفكرة أن انتهاك جسد المرأة شأن غير ذي قيمة. هذا وعي لا تسهل مجابهته بهفوات من نوع ما قالته المذيعة والفنانة. diana@ asharqalawsat.com