الحياة - سعودي المفاهيم سواء أكانت صائبة متطورة أم خاطئة راكدة يتشكل منها سلوك الإنسان في ذاته ومع الآخرين، وينأى بسببها أحكام على الذات بالنجاح أو الفشل، أو على الآخر بكونه «مع» أو «ضد». ومع أن مبدأ إصدار الأحكام يُفقد الإنسان كثيراً من مساحة الاختيار، ومن ثَم تحسين جودة القرار، إلا أن الكلام هنا يتركز على تغيير مفهم الفشل، الذي يبدأ بالمفهوم الصحيح للنجاح الذي هو الهدف. ونحن نعرف النجاح بأنه رحلة نسير فيها على طريق النور وليس وجهة نقصدها، وبذلك يصبح النجاح هو الرحلة الاستكشافية للذات في قوتها وفي قدراتها المتعددة والمتنوعة، وما لديها من الجاهزية الهائلة للتطور والتلقي لرسائل الحياة. وإذا كان النجاح هو الرحلة فمن الضروري تغيير المفهوم السلبي للفشل والذي يعني الإخفاق أو الهزيمة. إن هناك طرحاً في المفهوم لا يرى للفشل وجوداً غير أنه غياب النجاح. كما يسعى بعضهم (ومنهم جون ماكسويل) إلى تحويل الفشل إلى نجاح، كما فعل في كتابه «الفشل البنّاء: تحويل الأخطاء إلى جسر النجاح». كل ذلك يعطينا انطباعاً مغايراً للفشل ويخفف من وطئه النفسي الذي يلاحق بعضهم كلعنة مصيرية بالحياة، والتي كان من أسبابها المفاهيم الراكدة في علوم الإدارة والآلية الرتيبة في طريقة تقديمها. إن كوني قادراً على الكتابة أو تقديم الاستشارات مثلاً، وغير قادر على النجارة أو السباكة، هل يصنفني ذلك في قائمة الفشل؟ إذاً كلنا فاشلون ما دامت هذه هي المعايير والأقيسة. يجب أن ندرك أن الفشل أو ما يسمى بالفشل سيتلاشى. إن الفرق بين البشر يكمن في أمور أهمها: أولاً: الانطلاق قبل القدرات من القوة الخلاقة في الإنسان، وهي حب الذات وحب الحياة كعطاء إلهي عظيم، فالحب سر كل الحركات ومنبع كل النجاحات. وعليه تتأسس القدرات التي تُكتشَف أو التي تكتسب، ومن دون الحب تصبح تلك القدرات غامضة أو مستعصية على الحركة وتفتقر إلى المرونة والانسيابية، وتتعقد بعوائق نفسية يسببها فقدان الحب كالشعور بالتذمر والملل والإحباط. ويأتي بعد ذلك الأمر الثاني وهو: القدرة على اكتشاف المهارات والقدرات المتعددة لدى الإنسان، واكتساب ما يمكن اكتسابه منها في الحياة والإنسان، وقد جعل الله تعالى في هذا الإنسان استعدادات هائلة لاحتضان القدرات وإدارتها بطريقة منضبطة، ليعمل الكثير وبهد أقل، أي أنه لا يحقق نجاحه على الإجهاد الذي يحقق له نوعاً من النتائج على حساب صحته النفسية والجسدية، أو على حساب جودة علاقته الأسرية والمجتمعية، ويأتي الأمر الثالث وهو: القدرة على الانسجام بين الأدوار المتعددة في الحياة بسبب تنوع القدرات المكتشفة والمكتسبة، إذ يتطلب الأمر القيام بمهام جديدة وبطريقة جديدة تستغرق بعض الفراغ النفسي والوقتي الذي كان يشعر به قبل وعيه بالاستحقاق للنجاح الذي يطمح إليه. وهذا ما يجعله شغوفاً أكثر بحياته ومنجزاته وعلاقاته ولا يشعر بصخب أو تذمر من وفرة العطاء الذي هو فيه. ودليل ذلك في الأمر الرابع وهو: القدرة على ابتكار الأساليب الجديدة وبإيقاعات متجددة ولا الوقوف عند حدود المعهود والمجرب من قبلُ من الوسائل والأساليب والوسائط. فالقدرة على التطور السريع تعني استخدام الإنسان لدماغه الفيزيائي وعقله الباطن وعقله الروحي بتوازن جميل لا يقف عند حدود ما حدث وما يحدث، وإنما يتحرك فيما يريد أن يحدث. وهو ما أعنيه بالأمر الخامس وهو: الإيمان العميق والصادق باستحقاق كلي للنجاح الذي يسير الإنسان في طريقه ويسعى إليه في عالم اللامحدود واللامنتهي. هذا هو الإنسان الجديد أمام النجاح الجديد الذي يختفي فيه مفهوم الفشل المقيت الذي همّش الكثير من البشر وجعلهم ضحايا يفترسها النجاح المزيف. إننا أمام مهمة علم جديد للإدارة يتجاوز استهلاك الإنسان إلى تقدير الإنسان وتوسيع مجالات النجاح وتعديد فرص الحياة أمامه وتحويله إلى شريك في صناعة الوجود وليس مجرد طالب يستجدي النجاح من أستاذ عنيد. * عضو مجلس الشورى. alduhaim@ [email protected]