الاقتصادية - السعودية حتى نستوعب الأهمية القصوى المتعاظمة لوسائل الإعلام الجديد، التي تتربع على رأس هرمها أدوات التواصل الاجتماعي ك "تويتر" و"يوتيوب"، فلنعد بأذهاننا للوراء، إلى "ويكيليكس"، وإلى بداية أحداث ما أطلق عليه الغرب "الربيع العربي"، وتحديداً شرارتها الأولى في تونس. إن المتابع بعين فاحصة محايدة لهذين الحدثين المهمين المرتبطين بوسائل الإعلام الجديد، اللذين شهدهما العالم خلال السنوات القليلة الماضية، سيتوصل إلى نتيجة منطقية مؤداها أن مثل هذه الأحداث ما كانت لتحصل بهذه القوة وهذا الأثر لولا ظهور وسائل الإعلام الجديد، إذ تم تسليم وتبادل كميات هائلة من الأخبار والرسائل بين الجماهير من خلال المدونات و"فيسبوك" و"يوتيوب" و"تويتر" وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الإيميلات والمواقع الإخبارية التي تنشئها وتديرها الجماهير – ومن يقف خلفها - على شبكة الإنترنت، ومن هنا برزت القوة الكامنة لدى هذه الوسائل الإعلامية الجديدة – التي لم يعد بمقدور أحد تجاهلها - في تكسير نظريات الاتصال الجماهيري التقليدية كحارس البوابة وترتيب الأولويات، وتلك النظريات الأخرى القائلة إن النظم الإعلامية ترتبط إلى حد كبير بنوع الحكومات التي تعمل في ظلها – بحيث تعكس وتدعم فلسفة هذه الحكومات - إذ استطاع هذا الإعلام الجديد تكسير هذه القيود والوصول إلى الرأي العام وتوجيهه من خلال ما بات يعرف بإعلام المواطن. و"ويكيليكس" WikiLeaks في حقيقته نسخة مشابهة لموقع ويكيبيديا يتم من خلاله نشر وثائق وتسريبات من قبل مواطنين غير معروفين، للكشف عن الممارسات التي يعتقدون أنها ليست نزيهة من قبل حكوماتهم والسلطات المحلية أو الدولية القائمة، وبالتالي فقد أعاد مثل هذا الموقع الدور الذي كانت تقوم به وسائل الإعلام كسلطة للرقابة Watchdog Functions إلى المواطنين أنفسهم ليقوموا بها. وتسببت التسريبات الخاصة بوثائق الخارجية الأمريكية عبر هذا الموقع - على سبيل المثال – في اهتزاز صورة الدبلوماسية الأمريكية، التي لم تعد مصدر ثقة، إذ أصبح الدبلوماسيون في دول مختلفة من العالم أكثر تحفظاً من ذي قبل عند حديثهم مع الدبلوماسيين الأمريكيين، حيث كشف الموقع تلك الانطباعات التي كان يحملها الدبلوماسيون الأمريكيون تجاه سياساتٍ وشخصياتٍ داخل الدول الموفدين إليها، وهذا ما جعل وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك تقوم بزيارات مكوكية حول العالم، بعد نشر الموقع الإلكتروني عدداً من الوثائق والتقارير الدبلوماسية المسربة، وذلك كمحاولة منها لإصلاح ما يمكن إصلاحه جراء هذه التسريبات. أما الثورة التونسية فقد لعب الإعلام الجديد الدور الأبرز فيها، ولا سيما إن عرفنا أن منظومة العمل الإعلامي في تونس يمكن تصنيفها ضمن نطاق النظام الإعلامي السلطوي، الذي يحد من حرية وسائل الإعلام التقليدية في التعبير أو مناقشة ما تصدره السلطة من قرارات أو تقوم به من أعمال. وأرى عدم دقة ما يعتقده البعض، من أن شعلة هذه الثورة الشعبية ضد نظام الحكم في تونس هو الاعتداء الذي تم من قبل جهات الاختصاص في الدولة على عربة خضار لشاب تونسي جامعي عاطل عن العمل، ومنعه من ممارسة البيع دون ترخيص، وما أسفر عنه من قيام هذا الشاب بحرق نفسه احتجاجاً على ضنك العيش والظلم والاضطهاد الذي شعر به. لم يكن في الواقع هو المحرك الأساس لهذه الثورة الشعبية العارمة التي تحرك من خلالها جميع فعاليات وأطياف المجتمع التونسي، فلربما تم قبلها العديد من محاولات الانتحار احتجاجاً، أو حتى تسيير بعض المظاهرات الاحتجاجية ضد الدولة، لكنها كانت تنتهي في مهدها دون أن يعلم عنها أحد أو يتداعى لها الشارع التونسي. إذن فإن السر في تحريك هذه الحشود كامن فيما أتاحته وسائل الاتصال الحديثة من تقنيات مكنت المواطن العادي من أن يوصل صوته، وينقل الأحداث مباشرة صوتاً وصورة من جواله إلى مواقع التواصل الاجتماعي ك "فيسبوك"، و"يوتيوب"، حيث اطلع باقي المجتمع على هذه الأحداث، ما ولّدَ لديه رغبة التحرك في الشارع من خلال احتجاجات جماعية تشمل جميع أطياف المجتمع، الأمر الذي جعل قوات الأمن الداخلي المسلحة والمدربة على أعتى المهمات القتالية، تقف عاجزة وحائرة أمام هذه الحشود، وهذا النقل الحي المباشر للأحداث، التي لم يعد بوسع الإعلام الرسمي السلطوي فرض روايته عليها. وخلال هذه الأحداث؛ كان الراصدون والإعلاميون في بقية أنحاء العالم يتابعون بدقة ما يكتبه الشباب التونسي في مواقعهم على "فيسبوك" و"تويتر"، وما ينشرونه من مقاطع المواجهات مع الشرطة التونسية على موقع "يوتيوب"، وكانوا أميل لتصديق هؤلاء الشباب على الإعلام والتلفزة التونسية الرسمية، وأجمع الكثيرون منهم على أن شبكات الإعلام الجديد هي التي أبقت هؤلاء المتظاهرين على تواصلهم، وتنظيم صفوفهم، وأطلعت العالم على ما يجري في تونس بكل الحقائق، وفضحت – عبر تلك الصور التي بُثت في "يوتيوب" - التعامل الأمني القاسي مع المتظاهرين المدنيين، فكسبوا تعاطف العالم. وضمن هذا الإطار تبرز، محلياً، مجموعة نايف بن خالد الإعلامية كمجموعة سعودية شعبية شابة، ناشطة عبر الإعلام الجديد، استطاعت – بجدارة - كسر "التابوه" الظلامي المستخدم للدين من قبل بعض مشاهير الإعلام التقليدي من دعاة الصحوة، الساعين لفرض أجنداتهم ورؤاهم كما لو كان الشارع مجرد كينونات لا تفكر بل تساق! فكان أن سعت هذه المجموعة من المواطنين للتعبير عن وجهة نظرها الثائرة ضد هذا التسلط القمعي الفكري، عبر فكر ومنهجية علمية شرعية، راصدة صوتاً وصورة ما تراه من ممارسات غير نزيهة، يقوم بها أشخاص يسعون لاستلاب الوعي الجماهيري، وتوجيهه ضمن أجندات مشبوهة، ولأهداف غير شرعية. فنجحت في كشف تناقضاتهم، وزيف خطابهم، الذي يحاول - بكل جرأة ووقاحة - استخدام الدين، تماماً كما فعل قساوسة القرون الأوروبية الظلامية، لتخرج هذه المجموعة الشبابية الشعبية وتعري تسترهم الدنيء بديننا العظيم، وبأسلوب علمي منطقي موضوعي ينم عن وعي شبابي راق، ما حدا بكبريات المحطات الإخبارية الدولية ك CNN أن تنقل عنها، لتفرض نفسها كمصدر إعلامي مستقل. لقد باتت مواقع الإعلام الجديد لاعباً رئيساً ومؤثراً في الأحداث، تجاوز دورها دور الإعلام التقليدي بشكل كبير، وباتت ترسم سياسة وتفرض واقعاً جديداً في العالم.