أيدت غالبية من الشباب العرب تسريبات موقع «ويكيليكس» الإلكتروني كوسيلة لكشف الحقائق، مطالبة الحكومات بالتعامل مع شعوبها بشفافية بدل حجب المعلومات عنها. ففي ختام حلقة «مناظرات الدوحة» مساء الاثنين، صوّت 74 في المئة من الحضور، غالبيتهم طلاب عرب ومسلمون، لمصلحة ثيمة الحلقة: «هذا الجمهور يعتقد بأن العالم أفضل حالاً مع ويكيليكس» مقابل معارضة 26 في المئة من المشاركين. أجريت المناظرات بعد أسابيع على تسريب موقع ويكيليكس أطناناً من الوثائق والتقارير السرية لوزارة الخارجية الأميركية، كشف بعضها حجم الفساد في دول شرق أوسطية، وتبايناً واضحاً في مواقف قادة دول عربية بين ما يعلن وما يقال داخل الغرف المغلقة. وأحرجت تلك الوثائق العواصم العربية. وفي غمرة التفاعل الإيجابي، صفق الحضور مطولاً لطالب قال لمحاوري الجلسة: «أفضّل أن أعيش في عالم تقال له الحقيقة بدلاً من العيش في عالم مليء بسرد الأكاذيب». وتساءلت طالبة جامعية من قطر: «هل من الخطأ أن نعرف الحقيقة؟». سيطرت على المناظرة الأخيرة حوارات ساخنة بين المتحاورين لدى مناقشة محاسن ومساوئ تسريب برقيات سرية تم تبادلها بين وزارة الخارجية الأميركية و260 بعثة ديبلوماسية تابعة لها حول العالم. كذلك انقسموا في تقييمهم للدور الذي يقوم به جوليان آسانج، مؤسس موقع ويكيليكس. فبينما وصفه بعضهم «بالإرهابي» الذي يسعى الى هدم السلم الدولي، رأى آخرون أنه يسعى لكشف ازدواجية سياسات الولاياتالمتحدة أمام الرأي العام العالمي. سكوت غيلمور، وهو ديبلوماسي كندي سابق، اعتبر في مداخلته «أن ويكيليكس لا يوّفر الحل». وتابع: «الديموقراطية منزل تسوده الفوضى وتسيل المياه من سقفه. جوليان اسانج يريد أن ينسف هذا المنزل ويخرّب نظام العمل الديبلوماسي الدولي». وخلص إلى اتهامه بأنه «إرهابي أجنبي ينتمي إلى مدرسة الفوضى». ودفعت هذه المداخلة طالباً أردنياً لتسجيل احتجاج ضد موقف غيلمور. إذ قال له: «لا يحق لك نعته بالإرهابي لأنه ينشر معلومات يجب أن لا تبقى محجوبة عن العامة. فهو يعمل على غرار قنوات الأخبار الفضائية مثل سي إن إن الأميركية، الجزيرة والعربية، التي تبث معلومات حيوية تجمعها لمشاهديها». وأيد غيلمور المحاور الثاني كارل فورد، مدير سابق لقسم المخابرات في وزارة الخارجية الأميركية. إذ أصر فورد على أن ممارسات موقع ويكيليكس «تجبر الحكومات على أن تنغلق على نفسها وتعمل بطريقة اقل شفافية، بعكس الهدف المعلن لأسانج». وتابع: «قريباً جداً لن يبقى هناك أي أدوار لطلاّب التغيير ومطلقي صافرات الإنذار لكشف المستور Whistle Blowers». وأردف: «بدلاً من الاعتماد على جوليان، توجد لدينا محاكم، واستدعاءات الكونغرس، والصحافة والويسل بلورز»، قبل أن يصر على أن الأدوات الرقابية في بلاده كافية لمحاسبة الرؤساء كما حصل في حالات عديدة في السابق. في المقابل، أيد ثيمة المناظرة السفير البريطاني السابق لدى إيران ريتشارد دالتون، وكارني روس وهو ديبلوماسي استقال من وزارة الخارجية البريطانية بسبب الطريقة التي تعاطت فيها بلاده مع ملف العراق. وقال دالتون، وهو زميل مشارك في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الخارجية، إن «العالم أفضل مع ويكيليكس لأن هذا الموقع كشف العديد من الممارسات الخاطئة». وزاد: «نريد حكومة لا تسيء استخدام نفوذها. كما أن الحقيقة والمحاسبة أمران مهمان وعلينا أن نحاسب الحكومات على أكاذيبها وخداعها». إلى ذلك رأى «أن ويكيليكس يوفّر خدمة لجعل الحكومات أكثر صراحة وشفافية». لكن غيلمور قاطعه محتجاً: «ومن سيضمن مدى صدقية ويكيليكس؟». استرجع روس تجربة العمل مع الحكومة البريطانية خلال مرحلة التحضير للحرب على العراق قبل 2003. وقال: «ضخّموا الحجج المؤيدة للحرب ولم يمارس البرلمان أو الإعلام دوره (الرقابي)». وتابع: «لو قالت الحكومات الحقيقة لما كنا سنحتاج إلى موقع ويكيليكس». وختم مداخلته بالقول: «ما زلنا نجهل السبب الحقيقي وراء قرار الولاياتالمتحدة وبريطانيا شن الحرب على العراق». وختم: «من الأفضل أن تمارس الحكومات الشفافية قبل أخذ القرار والقيام بتنفيذه وليس بعد ذلك». كما أعرب معارضو موقع ويكيليكس عن خوفهم من أن يضر تصرف أسانج دولاً ديموقراطية وليس فقط دولاً مستبدة تخفي المعلومات عن شعوبها. وجادلوا بأن عالم الديبلوماسية بين الدول يتطلب الحفاظ على السرية وعلى سلامة المصادر التي يتكلم معها السفراء، معتبرين أن ما قام به ويكيليكس من نشر تفاصيل برقيات بين البعثات الأميركية والمركز يضرب أسس عمل الديبلوماسية الدولية. وقال فورد إن آسانج يشجّع الحكومات على الانغلاق على نفسها بطريقة لا تساعد المسؤولين على التحاور والتواصل بهدف خدمة مصالح دولهم وشعوبهم. وقال لروس: «إنك ساذج إذا كنت تعتقد عكس ذلك». وختم غيلمور: «الديبلوماسية ليست فيسبوك. فهي تحتاج الى حد أدنى من السريّة لأنها تتطلب الصراحة وعدم الخوف لدى الحديث مع الآخر... ويكيليكس هي أسلحة دمار شامل». في مستهل المناظرة، قال تيم سباستيان، الإعلامي البريطاني المخضرم الذي يدير المناظرات للسنة السابعة على التوالي، «إن ما كشفته تسريبات ويكيليكس عن المنطقة أجّج الحماسة الشعبية في العديد من الدول العربية، حيث يمارس التعتيم الإعلامي على العديد من أخبار ونشاطات النخب الحاكمة». وأضاف أن كشف محتوى سيل البرقيات بين السفارات الأميركية ووزارة الخارجية «كان له وقع كبير على المواطنين العرب بخاصة حين يقرأ المواطن بالأبيض والأسود ما كان قادته يقولون للأميركيين».