اليوم - السعودية فجعت الأحساء يوم أمس بأحد وجهائها، المغفور له - بإذن الله - الشيخ عبدالله بن ابراهيم المبارك الذي عرف بلطف المعشر فكان قريباً من القلوب والعقول يحبه الصغير والكبير، فهو من المشهود لهم بكل خير في الخلق والعلم. فقد كان - رحمه الله - من خريجي مدرسة الحميدية، وهي اول مدرسة حكومية نظامية قادها الشيخ محمد النحاس من مصر. واذا عرفنا أن الشيخ عبدالله من مواليد عام 1337 فهذا يعني أن طفولته واكبت أولى حركات التعليم الأهلية التي بدأتها بعض الأسر في الأحساء، وتعاونت لتهيئ لها الظروف المناسبة مثل أسرة النعيم ومن ثم العجاجي وكل ذلك كان بجهود ذاتية، غير أن ما تميزت به الأحساء دون غيرها من المدن الساحلية على شاطئ الخليج العربي في تلك الفترة هو ذلك الإقبال القوي على التعلم والتعليم، فلا غرابة إذاً أن تعرف بعض الأسر بما اكتسبته في هذا الجانب الذي جعل الأحساء متقدمة على غيرها من مدن الخليج، وأعني بذلك أسرة المبارك التي ينتمي إليها الشيخ عبدالله والتي خرجت كثيراً من العلماء والفقهاء والقضاة والأدباء والشعراء الذين خدموا منطقة الخليج في السلك القضائي والتعليمي الديني بطرق شتى. ومنهم الشيخ - رحمه الله - عام 1358 فقد عمل مع الشيخ عبدالعزيز المبارك الذي أسس للقضاء في الظهران، ثم راح الشيخ يتابع طريقه في هذا المجال الإداري للقضاء حتى عام 1399 حين أحيل للتقاعد. وبالأمس ترجل الفارس فتتابعت على هاتفي الرسائل التي تعلن وفاة عميد أسرة المبارك، وتنقل التعازي لكل من عرفه عن قرب أو بعد. أما أنا فقد فوجئت باتصال منه منذ بضعة أشهر بعد بدء تشغيل الرحلات الدولية لمطار الأحساء. ورغم كبر السن والقدر إلا أنه لم يتردد في الاتصال بي ليعلمني عن تقديره وشكره على مقال لي كتبته عن مطار الأحساء، فقد كان يسعده ما يسعد أهالي الأحساء جميعهم، ويحزنه ما يحزنهم فرداً فردا عرفهم أو لم يعرفهم. الفقير منهم قبل الغني، ولم ينشغل إلا بهم وبمطالبهم... وقتها كان يجاهد أنفاسه ليحدثني عن خطواته التي اتخذها لمساندة الأحساء في حل أزمتها مع المطار، ويمنحني بلطفه - الذي هو جزء من روحه المشرقة بالخير - شعور من أسهمت معه في أمر يريده لمنطقته، فيقول: شكراً لأنك كنت معنا. أقفلت الهاتف ولفتني قشعريرة ذاك الضياء الإنساني الراقي من شيخ جليل، له كل ذاك القدر من النور الذي يشرق من روح معطاء، فلا تعرف له حداً ولا تخضعه لمقاييس البشر التقليدية. إنه نور الكبار.. كبار النفوس الذين تغيب أجسادهم ولا تغيب أرواحهم ولا كلماتهم ولا أفعالهم. بكت الأحساء بالأمس على شيخها وستحزن على فقده، وتفتقده كل يوم في مجلسه، كما سيفقده كل من أحبه، وعزاؤها وعزاؤهم أن ترابها الذي عشقه هو الذي يحتضنه وما فوق التراب يذكره بكل خير اليوم وكل يوم. اللهم إنه أحب تراب قبره قبل أن يرقد فيه، فاجعله اللهم روضة من رياض الجنة وأكرم مثواه عندك. وقد كان بك مطمئناً في حياته فأَمَنه في قبره من الفتنة، وأنزل عليه الضياء والنور، ومتعه بالفسحة والسرور، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وجميع أموات المسلمين. [email protected]