اليوم - السعودية الانطباع العام، والانطباعات خداعة، أن دوام العمل في الإدارات الحكومية "خفيف"، وأن إنتاجية الموظف فيها أقل من نظيره في القطاع الخاص. وبدأت تتداول مؤخراً تقارير مفادها أن هناك جهدا لمساواة عدد ساعات العمل في القطاعات كافة، بما فيها الإدارات الحكومية، لتصبح 40 ساعة في الأسبوع. من حيث المبدأ، من المتوقع أن تساهم هذه الخطوة إذا ما تحققت في إزالة أحد التشوهات في سوق العمل السعودي، والمتمثل في تباين مزايا العمل بين الحكومة والقطاع الخاص، وهذا التفاوت يجعل البعض يتجه للعمل في الحكومة، ليس بحثاً عن تحقيق ذاته والتنافس مع أقرانه لتقديم الأفضل، بل ليبتعد عن الضغوط وليمارس عملاً روتينياً محدود المتطلبات!. وعلينا الإقرار أننا بحاجة لدراسة منهجية رصينة تضع النقاط على الحروف فيما يتصل بإنتاجية العامل في القطاعات والأنشطة المختلفة، بل وحتى في المدن على تفاوت مواقعها وأحجامها. والمؤمل أن تلك الدراسة قد تجعلنا نطوي صفحة الحديث عن إنتاجية العامل في القطاعات انطلاقاً من انطباعات، قد لا تكون منصفة، كالقول أن إنتاجية موظف الحكومة "نصف ساعة"؟ وإن لم تك نصف ساعة في معدلها، فما مقدار انتاجيته؟ وما هي تفاصيلها؟ وهل تتفاوت من موقع جغرافي لآخر، ومن دائرة حكومية لأخرى، وهل لتقنية المعلومات تأثير في خفض أو رفع تلك الإنتاجية؟ وما أتحدث عنه ليس دراسة تنظيرية في الأساس، بل دراسة ميدانية شاملة. وأعود هنا لأكرر ما سبق أن ذكرته هنا قبل أشهر من أهمية إطلاق مركز قياس أداء القطاع الحكومي، من خلال وضع منهجية قياس ورصد مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs). تجدر الإشارة إلى أن مجلس الوزراء الموقر أقر المركز وأوكل أمره لمعهد الإدارة العامة، وقد أجرى المعهد دراسات محددة على عدد من الجهات الحكومية. وليس القصد من كل هذا إثبات أن إنتاجية الإدارات الحكومية أدنى أو أعلى مما هي عليه في القطاع الخاص، بل معرفة حقيقتها ومن ثم اتخاذ الخطوات الضرورية للتأكد من أن إنتاجية الجهاز الحكومي في المملكة تتطور وترتقي وصولاً لنظيراتها في مجموعة العشرين. ومن الأهمية بمكان اتخاذ خطوات عملية للتأكد أن الإدارات الحكومية قادرة على النهوض بالبرنامج التنموي الهائل الذي تسعى الحكومة للقيام به من خلال الانفاق الكبير على مجالات مسيسة الصلة بالمواطن كالصحة والتعليم والمرافق كالمياه والكهرباء والصرف الصحي والنقل، على سبيل المثال لا الحصر؛ فالأمر - كما ندرك جميعاً - يتطلب مقدرات إدارية ومهنية قادرة على مواكبة التحدي التنموي، ليس من خلال استقطاب خبراء واستشاريين ليقوموا بالأعمال التنفيذية لفترة مؤقتة ثم يختفون، ولكن عبر تطوير كوادر بشرية مواطنة قادرة على اختزان الخبرة وتطويرها ونقلها إلى من سيأتون لاحقاً. وقد يكون من الاجحاف اختزال فروق العمل بين الحكومة والقطاع الخاص في عدد ساعات الدوام، فعلى الرغم من أهمية المواءمة بين ساعات الدوام، تبقى قضية التحفيز هي الأساس لاستخلاص أفضل ما في الموظف، والتحفيز يعني قياس الأداء ليس فقط من خلال المواظبة على الدوام حضوراً وانصرافاً، ولكن كذلك بما يضيفه الموظف أثناء الدوام، إذ لابد من تشجيع الموظف أن يقدم أفضل ما عنده، وأن تلك هي الطريقة الوحيدة لحصوله على مزايا مالية إضافية وعلى الترقيات والتكريم، وأن كل ذلك مرتبط ليس برضا الرئيس بل برضا "الزبون" (أو كما يعبر عنه باللغة الرسمية "المستفيد"). وبذلك سنجد أن البوصلة ستتحول باتجاه الاهتمام بالمستفيد والسعي لخدمته بشتى الوسائل، ولن يصبح ذلك هدف موظف منفرد، بل لابد أن تتمحور وظيفة الأجهزة الحكومية حول هدف خدمة المستفيد. ولن يكتمل المقال دون الإشارة إلى أن الجهاز الحكومي لابد أن يرتقي باستمرار بأدائه والسعي للاستفادة من التعاملات الالكترونية لرفع الإنتاجية، ليتفادى التضخم في موارده البشرية، فوظيفة الجهاز الحكومي خدمية وتوسعها سيعني مزيداً من مصاريف الخزانة العامة، أما القطاع الذي علينا السعي لنمو قيمته المضافة فهو القطاع الخاص، الذي يفترض أن يحقق تطلعاتنا بتنويع مصادر الدخل وتوليد فرص الاستثمار والعمل. تويتر @ihsanbuhulaiga