مكة أون لاين - السعودية ظن الكثير أن علماء الشريعة وكبار الفقهاء في بلدنا كانوا منعزلين عن الصحافة والتعامل معها بسبب عدم الحديث عن تاريخهم في هذا المجال، وأصبح بعض محدودي الثقافة أو ذوي الأغراض يزعم أن العلماء الشرعيين انزووا عن الصحافة مشاركة ونقداً أو حتى متابعة للحراك السياسي والثقافي والفكري، وبغيتي في هذا المقال أبطال هذا التصور من خلال عرض سريع وعشوائي لمرحلة تجاوزت ستين عاماً مما قرأته في أرشيف الصحف السعودية . قبل البداية أود أن أشير لخبر طريف عن اجتماع عقد قبل 55 عاماً وتحديداً 1380 للهجرة مع رؤساء تحرير الصحف السعودية وكان من الحاضرين الشيخ صالح بن محمد اللحيدان (رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقاً) بصفته آنذاك رئيس تحرير مجلة راية الإسلام التي توقفت فيما بعد. ومن يتتبع نشأة الصحف السعودية وكتابها الأوائل يجد أن ثمّة علماء كبارا في الشريعة واللغة والتاريخ قادوا تلك المسيرة في بداياتها. فمنهم العلامة عبدالقدوس الأنصاري منشئ المنهل التي تعتبر تاريخاً لوحدها، ومنهم العلامة أحمد عبدالغفور عطار منشئ عكاظ، ومنهم العلامة حمد الجاسر في اليمامة ثم مجلة العرب، ومنهم المؤرخ الكبير أحمد السباعي رئيس تحرير الندوة، ولولا ضيق المساحة الممنوحة لي لأفضت في ذكر مشاهير العلماء واللغويين والأدباء في ذلك العصر فصحافتنا إذاً لم تنفصل عن العلماء عندما نشأت. سأحاول أن اعرض للقارئ النبيل أفراداً على عجل من مشاهير العلماء والفقهاء ممن عرفتهم الصحافة السعودية حينها، وكانوا يرسلون مقالاتهم ومشاركاتهم للصحف المعروفة. فمن العلماء الأجلاء الشيخ عبدالرحمن السعدي علامة القصيم توفي عام (1376) وكانت مقالاته متنوعة لكنها تدور حول التمسك بالديانة والحرص على الأخلاق وقد كان مراسل عنيزة حينها ينقل أخبار الشيخ العلمية ونشاطاته ومؤلفاته، وعندما توفي رثته الصحف السعودية حينها بمقالات طويلة لمحبيه وطلابه وذكرت تفاصيل وداعه رحمه الله، ومن الطريف أن يخلفه في الكتابة تلميذه النبيه الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام عضو هيئة كبار العلماء فكتب في السبعينات ومطلع الثمانينات الهجرية في مواضيع أدبية وتاريخية وثقافية واجتماعية متنوعة، فكتب عن الشعر النبطي وكتب عن الأدباء وضرورة تكريمهم وكتب عن توفيق الحكيم الكاتب المصري وكتب عن مسائل تاريخية متعددة وأحداث اجتماعية وكتب عن تراجم بعض العلماء وبعض المسائل الفقهية وله ردود ومساجلات متنوعة. أما الشخصية الأكثر بريقاً وحضوراً فكان العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز (رحمه الله) فقد ظهر نشاطه للكتابة مبكراً منذ عهد الملك عبدالعزيز (رحمه الله) فكتب كثيراً من المقالات للصحف السعودية باختلافها مثل صحيفة المدينة والبلاد وعكاظ والندوة واليمامة والقصيم وحراء والدعوة ومجلة الجامعة الإسلامية، وكانت له مساجلات وردود على عدد من الكتاب وقد أصبحت هذه المقالات الكثيرة جداً مقصداً للباحثين والمهتمين واستمر يكتب لحين وفاته في مجلة الدعوة، وقد جمع أغلب نتاجه الضخم في مجموع فتاواه. ومن الكتاب الشيخ زيد الفياض وقد بدأ ينشر أفكاره وشعره وأدبه من منتصف السبعينات الهجرية وحصلت له مضايقات وتوقيف لصراحته، وهو مؤلف الكتاب العميق شرح الواسطية وقد جمعت مقالاته وأبحاثه وكتبه مؤخراً في اثني عشر مجلداً. ومنهم الشيخ المكي صالح بن عبدالعزيز بن عثيمين مؤلف كتاب تسهيل السابلة وهو غير شيخنا الفقيه علّامة عنيزة، وكان غزير الكتابة في الصحف قبل 60 سنة وله مقالات كثيرة منتظمة في الحديث والفقه وغيرها. ومنهم الشيخ العلامة علي بن محمد الهندي الحائلي المدرس بالمسجد الحرام، وكانت له مقالات مشهورة وردود ومساجلات ونقاشات بديعة ومطولة في مسائل شتى. ومن أبرز الأقلام الشرعية المفكر الكبير محمد بن أحمد باشميل، وكانت بداياته في السبعينات الهجرية وكان مدرسة فكرية لوحده يبين مواطن الزلل والانحراف الفكري والعقدي بقلم علمي سلس ومتفتح، وكان لمقالاته صدى كبير وتأثير على القراء، وللأسف لم تجمع حتى الآن، وسمعت أن النية تتجه لجمع تراثه الذي يعتبر كنزاً فكرياً وتاريخاً للصراع الفكري في تلك الحقبة من تاريخنا. وللحديث بقية إن شاء الله