قال الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي انه يفضل ان يبقى مرناً في التعاطي السياسي، لافتا الى حرصه على تجنب «رفع سفق التوقعات لدى الشعب اللبناني فيصاب عند اعلان الحكومة بنوع من الاحباط». وشدد على انه يريد الحفاظ على مركز رئيس الحكومة، معتبرا ان الدستور اعطى رئيس الجمهورية دورا اساسيا «يتم تخطيه في الكثير من الأحيان»، ولافتا الى ان «الوضع في المنطقة صعب». وكان ميقاتي يتحدث في لقاء نظمه «المركز المدني للمبادرة الوطنية»، تحت عنوان «تكوين السلطة بين أحكام الدستور ووقائع السياسة» في فندق «بريستول» أمس، بمشاركة شخصيات سياسية وقانونية وفاعليات، بينها الرئيس السابق للمجلس النيابي حسين الحسيني، النائب فريد الخازن، نقيب الصحافة محمد بعلبكي، رئيس مجلس الخدمة المدنية خالد قباني، نقيبة المحامين أمل حداد، المحامي سليمان تقي الدين وآخرين. الحسيني:رؤية للتشكيل وتحدث الحسيني عن المرحلة التي تلت اتفاق الطائف، مؤكدا انه «منذ وضع الاتفاق، كانت السلطة بناء على صيغة حكم لا علاقة لها بالدستور ولا بوثيقة الوفاق الوطني، بل حكم مبنية على المحاصصة، أدت الى الانحدار من الطائفية السياسية التي نرغب في الخروج منها الى المذهبية القاتلة التي عطلت إقامة سلطة وفقا لصيغة الحكم هذه». ولفت الى أن «تشكيل الحكومة كان موضع وفاق قبل اتفاق الطائف بأوراق عمل تحضيرية، ومنها الورقة التجريبية التي كانت ما قبل الطائف مباشرة». وأعلن عن نص رؤية لتشكيل الحكومة «لم يقر في الطائف ظنا منا أن القوانين التطبيقية ستؤدي الى حل هذه المشكلة، وخصوصا أننا الآن أصبحنا مع تفتت السلطة أمام مجلس نيابي «عقار شيعي» ومجلس وزراء «عقار سني» ورئاسة الجمهورية «عقار ماروني» وما يستتبع ذلك من تفتت في السلطة». وشدد على «أهمية تضافر الجهود بحكمة للعودة الى صيغتنا، صيغة الميثاق الوطني». وتلا الحسيني نص رؤية التشكيل، وفيها ان «رئيس الجمهورية يجري استشارات نيابية ملزمة ويصدر بنتيجتها كتابا يسمي فيه رئيس الحكومة المكلف، ثم يجري الاخير استشاراته خلال مهلة أربعة أسابيع من تاريخ تكليفه. وفي حال اعتذار الرئيس المكلف، يعمد رئيس الجمهورية الى استشارات جديدة وفقا لما ورد في البند الأول. وتصدر مراسيم تشكيل الحكومة بالإتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وعلى الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة بمهلة ثلاثين يوما. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيل الثقة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال. وفي حال عدم إصدار مراسيم تشكيل الحكومة بعد انقضاء مهلتي التكليف ينعقد مجلس النواب من دون تأخير بدعوة من رئيسه، وينتخب رئيسا للحكومة يقوم بتشكيلها في مهلة أسبوعين». وأضاف: «يتقدم الى مجلس النواب بخطة عمل الحكومة وتعتبر ثقة المجلس بالحكومة كافية بنسبة 55 في المئة من مجموع الأعضاء المؤلف منهم مجلس النواب. وفي حال اعتذار الرئيس المنتخب وعدم قدرته على تشكيل الحكومة أو عدم نيل الحكومة ثقة مجلس النواب، يبادر المجلس مجددا الى انتخاب رئيس للحكومة يقوم بتشكيلها وفقا لما تقدم، ويلفت في هذا الإطار الى أنه عام 1960 دخل هذا التفصيل في صلب دستور بولونيا، حيث هناك رئيس جمهورية منتخب من الشعب، أي نظام رئاسي، ومع ذلك اعتمدت هذه الآلية». ورأى أنه «لو تم إقرار القوانين التطبيقية المتعلقة بانتخابات المجلس النيابي، أو القانون التطبيقي لتنظيم أعمال مجلس الوزراء أو القانون التطبيقي لتنظيم دوائر رئاسة الجمهورية، والقانون التطبيقي المتعلق بقانون الدفاع والسياسة الدفاعية، لما وصلنا الى ما نحن فيه الآن». قباني والموازين المتحكمة ثم عرض قباني في مداخلته «مسار الموازين التي تتحكم في تشكيل الحكومة بعيدا من الدستور». ورأى انه «عندما تتحكم موازين القوى السياسية بالحياة العامة وبمقدرات البلاد، وعندما يضحى الدستور أداة توظيف في الصراع السياسي، تدخل البلاد حكما كما هو الوضع الآن، في حال من الانقسام والفوضى والضياع وعدم الاستقرار وفقدان المرجعية». وتناول النصوص الدستورية التي «تحكم عملية تكوين السلطة الاجرائية والتناغم بين المؤسسات الدستورية في اطار تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات ولا سيما منها المادة 53 من الدستور التي تفيد ان مسألة تشكيل الحكومة تتم بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، وان رئيس الجمهورية بما هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يؤدي دورا دستوريا اساسيا في تكوين السلطة الاجرائية ودوره ليس عارضا ولا عابرا ولا متلقيا، او صاحب حصة معينة كما حدده الواقع السياسي او اثبتته وقائع السياسة او فرضته ظروف استثنائية طارئة». وأكد «حق القوى السياسية ان يكون لها مطالب وشروط للاشتراك في الحكومة كما نستطيع ان ترفض المشاركة في الحكومة عندما لا تلبى طلباتها، الا انها لا تستطيع ان تفرض شروطها فرضا او تمنع تشكيل الحكومة وتنزع عن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حقهما الدستوري في تشكيل الحكومة». وتناول الخازن الطرق التي كانت معتمدة في تشكيل الحكومات في لبنان قبل الحرب وحتى اليوم. وتحدث تقي الدين في مداخلته عن «مجموعة من البدع الدستورية أنتجها النظام الهجين المشوه الذي فرضته قوى الأمر الواقع بعد الحرب». وأكدت حداد في مداخلتها «ضرورة النظر في صلاحيات رئيس الجمهورية في مسألة التكليف والتأليف»». ميقاتي وحصل سجال وجهت فيه اسئلة الى ميقاتي عن تعثر تشكيل الحكومة، فيما أكدت مداخلات اهمية دور رئيس الجمهورية، فرد ميقاتي في مداخلة ختامية، وقال: «منذ تكليفي تشكيل الحكومة حتى اليوم وأنا أحرص على تفادي الدخول في أي سجال مع أي طرف لأن اللبنانيين ملوا السجالات ويريدون أفعالا، كما أن أي كلمة تقال يمكن أن تفسر على غير مقصدها الحقيقي وتزيد من العقبات أمام تشكيل الحكومة. كما أنني أفضل أيضا أن أبقى مرنا في التعاطي السياسي لان هناك مصلحة وطنية عليا ولا أريد أن أكون أسير موقف معين أو أن أرفع سقف التوقعات لدى الشعب اللبناني فيصاب عند اعلان الحكومة بنوع من الاحباط أو ما شابه». واضاف: «في عملية تشكيل الحكومة هناك ثلاث ثوابت دفعتني الى قبول التكليف، هي منع الفتنة والحفاظ على الاستقرار والانطلاق من الدستور قاعدة لكل خطوة أقوم بها. وهذه النقاط هي التي تحدد مسار خطواتي. لنتذكر جميعا كيف كان وضع لبنان قبل التأليف، حجم الاحتقان الذي كان سائدا وكيف خف هذا الاحتقان وتراجع التوتر بعد التكليف. فالمهم بالنسبة الينا أن الفتنة ممنوعة بأي شكل من الاشكال بين أبناء الصف الواحد وبين مختلف المذاهب والطوائف، والاستقرار هو الثابتة الاساسية لكل عمل». وتابع: «يتهمني البعض بأنني، من خلال استخدام كلمة دستور، أكون أتصرف كسني وأن هدفي عند الحديث بهذه الطريقة التحدث فقط سنيا، ولكن هذا المنصب تتولاه الطائفة السنية في التركيبة السياسية الحالية، وأنا أريد أن أحافظ على هذا المركز وصلاحياته لانني مؤتمن عليها وعلى الاصول الدستورية، لأن الامانة أصعب من الملكية. كذلك فانني من أكثر المقتنعين بضرورة الحفاظ على مقام رئاسة الجمهورية واعطائه الدور الكامل انطلاقا مما نص عليه اتفاق الطائف والذي انبثق منه الدستور اللبناني». واشار الى ان الدستور «أعطى الدستور فخامة رئيس الجمهورية دورا أساسيا، لكن هذا الدور كان يتم تخطيه في الكثير من الاحيان بالاداء والممارسة السياسية. وأنا هنا أختلف مع من يقولون ان هذا الدور منوط فقط بعملية تشكيل الحكومة، وأؤمن بأن دور فخامة رئيس الجمهورية ومقام رئاسة الجمهورية يجب تحصينهما، ولرئيس الجمهورية الرأي الصائب في كل الامور. البعض يقول لماذا لا نقدم على إعلان حكومة تضم أهل الاختصاص ونضع الجميع أمام مسؤولياتهم ، جوابي عن هذا السؤال هو اننا نسعى الى حل المشاكل التي يعانيها منها لبنان لا زيادتها ولا نريد أن تكون الحكومة مشكلة اضافية في البلد». وتابع: «أنا حليف الدستور وأتبعه دائما واعتبر نفسي من مدرسة الرئيس حسين الحسيني في هذا الموضوع. أريد الحفاظ على الدستور وكذلك على الوطن، فليس المهم أن نحافظ على الدستور ولا يبقى لنا وطن. نحن في حال فرز رهيب وواقع المنطقة صعب وأي خطوة تظهر ان هناك تعطيلا من أحد أو غلبة لأحد على آخر نخشى أن تؤدي الى تأزيم الوضع في البلاد». وقال: «ما يهمنا هو تحقيق المصلحة الوطنية العليا والسبيل الى ذلك تخفيف السجال وزيادة العمل، وأن يشعر الجميع بالانتماء الى هذا الوطن، وهذا هو دور المجتمع المدني في الدرجة الاولى لاظهار المواطنية اللبنانية أكثر فأكثر».