الذهب يتراجع مع ارتفاع الدولار وترقب بيانات التضخم    "المياه الوطنية" تستعد لضخ 10 ملايين م3 يوميًا خلال رمضان    رابطةُ العالَم الإسلامي تُدين قصف قوات الاحتلال الإسرائيلية عدة مناطق سورية    بدء عملية فصل البوركيني «حوى وخديجة».. برنامج «التوائم الملتصقة» اعتنى ب 146 توأماً سيامياً من 27 دولة    الجيش الأمريكي: طرد «المتحولين جنسياً» باستثناء هؤلاء !    هذا التصرف يساعد على النوم بسرعة    5 محاور لخطة عمرة رمضان.. «النقل» و«الذكاء الاصطناعي» يعززان إدارة الحشود    الحوار الوطني.. سورية بيد أبنائها    على نفقة فهد بن سلطان.. «معونة الشتاء» لمحافظات ومراكز تبوك    الربيعة يبحث الشؤون الإغاثية والإنسانية مع المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية    "الأخضر الشاب" يعبر كوريا لنهائي القارة    الخليج يفرمل الاتحاد والاتفاق يتفوق على التعاون    وزير الدفاع يبحث مع مسؤولين أمريكيين التعاون المشترك    ولي العهد يهنئ رئيس الوزراء اللبناني بمناسبة تشكيل الحكومة برئاسته    دور سعودي مهم للنمو والاستقرار.. وزراء مالية «العشرين» يبحثون آفاق الاقتصاد العالمي    المحكمة العليا تدعو لتحري رؤية هلال رمضان غداً    بحضور الوجهاء والأعيان .. آل كسناوي والفران يحتفلون بتقاعد محمود فران    بين انفراجة صفقة الأسرى وتهرب نتنياهو من المرحلة الثانية.. سباق مع الزمن لإنقاذ هدنة غزة    تدشين أضخم مشروع قرآني عالمي من الحرمين    الجيش السوداني يتقدم جنوب الخرطوم    وزير التجارة يدشّن "منتدى مكة للحلال"    مجلس إدارة «المؤسسة» برئاسة ولي العهد يعلن: افتتاح أولى مراحل «المسار الرياضي» بخمس وجهات    روشتة بالذكاء الاصطناعي من «ChatGPT» لصوم صحي    اهتمام الملك سلمان بالثقافة    الحربي رئيساً للاتحاد السعودي لرفع الأثقال    موازنة أميركية لتنفيذ أجندة ترمب    «شؤون الحرمين» تدعو إلى الالتزام بإرشادات السلامة    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال رمضان مساء غدٍ    سلال رمضان.. عادات أصيلة تعكس روح التآخي    المنتدى السعودي للإعلام صياغة للمستقبل    احتفالية جذور الوحدة والتلاحم    بيتربان السعودي    الإنسان ومتغيرات الحياة    تيم لاب فينومينا أبوظبي يفتح أبوابه في 18 أبريل    هنا تضمر الحكاية..أيام تجري وقلوب تتوه..    «جيبكا» ترحب بقرار مجلس الوزراء على استضافة مقرها في الرياض    أمير تبوك يواسي بن هرماس في وفاة والده    محافظ خميس مشيط يعقد الاجتماع الأول للتعريف بمبادرة «أجاويد 3»    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة الكويت    سفارة المملكة في فنلندا تحتفل بيوم التأسيس    محافظ الطائف يلتقي الرئيس التنفيذي لجمعية مراكز الأحياء    القرقاح يشهد احتفال أهالي محايل بيوم التأسيس    تخريج دورة الفرد الأساسي للقطاعات الأمنية بأكاديمية الأمير نايف    جمعيّة أصدقاء المجتمع تحتفل بيوم التأسيس    هيئة الإذاعة والتلفزيون تدشن أضخم الأعمال على شاشتها الرمضانية    تمكن اصحاب المنشآت غير الغذائية من تقديم خدماتهم بالعربات المتنقلة    الاتحاد الأوروبي المنقسم !    سلمان بن سلطان    أمير تبوك يترأس اجتماع الادارات الحكومية والخدمية لاستعدادات رمضان    أمير الشرقية يستقبل وزير الحرس الوطني    مواقف رمضان !    إنجازات «إنسان» على طاولة فيصل بن بندر    يا أئمة المساجد.. أيكم أمّ الناس فليخفف.. !    دونيس: أحتاج لاعبين بمستوى سالم الدوسري    «الأولمبية السعودية» تجدد ثقتها في لجنة البادل    قدامى السعودية.. أقل من الطموح    في وداع سيد اللعبة.. عن كيسنجر والشرق    أمير القصيم: سباق الدرعية يعكس ارتباط الفروسية بتاريخ المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فجوة الفعل»: الحلقة المفرغة في محاولات الإصلاح السياسي العربي
نشر في الحياة يوم 25 - 05 - 2010

أُغلق الحوار في الأردن على قانون الانتخاب، الذي سيحكم الانتخابات النيابية الوشيكة، نهاية السنة الحالية، بعد أن أقرّه مجلس الوزراء، بانتظار الإرادة الملكية (المتوقّعة حتماً) بالموافقة عليه.
القانون الجديد لا جديد فيه باتجاه تحريك الحياة السياسية وانتشالها من الجمود والركود الذي وقعت فيه منذ سنوات، فقد أبقت الحكومة على «مبدأ الصوت الواحد»، واعتمدت ما يسمى «بالدوائر الافتراضية»، وذلك يدفع إلى تعزيز المعايير الاجتماعية والشخصية والفردية في انتخاب المرشّحين، ولا تسمح بتخليق الحياة الحزبية في البرلمان، التي كان يؤمّل المراقبون بأن تجد لها موضع قدم من خلال الخلط بين مبدأ «الصوت الواحد» و «القائمة النسبية»، التي تسمح بنسبة تمثيل للأحزاب السياسية في الانتخابات الحالية، تمهيداً لتغييرات جذرية على القانون باتجاه برلمان حزبي.
وطالما أنّ تلك الآمال ببرلمان حزبي قد تبخّرت، فإنّ قانون الانتخاب قد أغلق الباب على الإصلاح السياسي إلى أجلٍ غير معلوم، وأكّد على واقعة أنّ الأمر لو ترك لإدراك وقناعات مطابخ القرار الرسمية فإنّها لا ترغب في الإصلاح السياسي، الذي يقلّص صلاحياتها، حتى لو جرت المياه من تحت أقدامها وانفجرت الأزمات تلو الأخرى، ذلك ما لم يحدث ضغط حقيقي ومباشر على الحكومات يجبرها على خيار الإصلاح بلا مواربة أو تحايل.
حالة «الاستعصاء سلطوي» لا تسمح بمرور تغييرات جذرية وبنيوية في المعادلات السياسية المتكلّسة الراهنة، على رغم «انتهاء صلاحيتها» التاريخية والمنطقية والواقعية.
خيبات الآمل في عمان تفتح على الأوضاع المشاكلة في غالبية الدول العربية اليوم، بعد أن اصطدمت كل موجات التحول الديموقراطي بصخرة «التعنت» من الأنظمة، والنتيجة الماثلة حالياً، أمامنا، انفجار الأزمات الاجتماعية وانتكاسات ثقافية مرعبة، تصيب العديد من المجتمعات العربية وتبرز في عناوين واضحة على السطح العام، كذبول «الجوامع الوطنية» والدينية، والردّة نحو الانتماءات الأولية والطائفية والقبلية، وانهيارات في التعليم، وفشل في التنمية، ومعدّلات من الأميّة المعرفية والبطالة والفقر، وجيوب الحرمان وانعدام العدالة الاجتماعية..الخ.
والحال، أنّنا وبعد قرن على ولادة الخطاب النهضوي - الإصلاحي العربي الذي عاين «الفجوة الحضارية» والأزمات السياسية نجد أنّ الأمراض الثقافية والاجتماعية تستفحل، بل تأخذ صيغةً مركّبة معقّدة، فبدلاً من أن تكون مشكلتنا المواجهة المباشرة مع الأمية والتخلف الصناعي وأزمة السلطة، وتخليق قيم المدنية والمواطنة والإنتاج، أصبحت في تركيب أنماط استهلاكية وثقافية مشوّهة على الأمراض المقيمة فينا، ونظم قمعية ترفع شعارات وطنية وقومية ودينية لتستر فسادها وفشلها وعجزها المزمن في تحقيق شرعيتها السياسية التعاقدية مع المجتمعات.
لعلّ السؤال الذهبي من وحي الاستعصاء السلطوي الحالي: لماذا لا يحدث التغيير في العالم العربي؟..
الجواب، بلا شك، ذو أبعاد سياسية وتاريخية واجتماعية وثقافية، ممتد من الولادة المتعسّرة لنظام الحكم في الإسلام إلى اليوم، لكنّ مقاربة اللحظة التاريخية الراهنة تؤشّر إلى أنّ المشكلة لا تقف عند حدود النظام السياسي الرسمي العربي، بل تصيب في الصميم المعارضة السياسية وقدرتها على اجتراح بدائل وخيارات سياسية استراتيجية تعكس توافقات اجتماعية وسياسية على مشروع الإصلاح السياسي وخريطة النهضة الوطنية.
على النقيض من ذلك، فإنّ «المعارضات» العربية فشلت في العديد من التجارب بحماية «الُّلحمة الوطنية» عندما وصلت إلى السلطة أو تفكّكت فيها الدول، بل كانت الفوضى الداخلية ومخاطر الحروب الأهلية هي البديل المرعب للمواطن العربي. بيت القصيد (هنا) أنّ المشكلة لا تقبع فقط عند الحكومات أو السلطات العربية، وكذلك فإنّ الانتخابات ليست الباب الوحيد لتغييرات نوعية بنيوية في الحال العربية الراهنة (وإن كانت عاملاً مساعداً)، بل هنالك فجوة واسعة تفصل بين الشعوب والحالة الثقافية - الاجتماعية العربية وبين القدرة على فعل التغيير رغماً عن حالة الاستعصاء السلطوي المقيمة.
«فجوة الفعل»، إن جاز التعبير، لدى الشعوب والمجتمعات العربية تفسّرها عوامل ثقافية وتراثية وسياسية متعددة، وتستدعي، بالفعل، اليوم نقلة «بؤرة» الخطاب السياسي الإصلاحي من التمركّز حول السلطة والحكومة إلى المجتمع والثقافة، كما بدأ الخطاب الإصلاحي- النهضوي الحديث، قبل أكثر من قرن مضى، عندما وجّه اهتماماته نحو المجتمع لاستنهاضه وإخراجه من حالة الركود والاستسلام لثقافة التواكل التي ارتبطت في شطرٍ منها بميراث يمجّد السلطة ويلعن السياسة، ويحذّر مما تحمله من متاعب ومشكلات.
لم نكمل الطريق، فأحدثنا قطيعة مع الخطاب الإصلاحي، بصورة كاملة منذ ولادة الدولة القطرية العربية، ودخولنا في نفق الصدام العقيم بين الاتجاهات الإسلامية والعلمانية، وبروز أسئلة الهوية المتمحورة على الذات، على حساب أسئلة النهضة والتنوير، فتراجع دور الفقهاء والأكاديميين والمثقفين لمصلحة النخب الحزبية المؤدلجة أو التي تدور مع السلطة، ففقد الإصلاح خطاب التواصل مع المجتمع.
في المقابل، فإنّ الحركات الإسلامية الفاعلة التي احتلت مساحة واسعة من المشهد السياسي لم تتجه بخطابها السياسي نحو المجتمع بصورة نقدية تدفع به إلى تعزيز قيم المواطنة والعطاء والفعل والتغيير الذاتي، بقدر ما فعّلت خطاب «الحشد» و «التعبئة» والتمازج مع الثقافة السائدة بدلاً من تفكيكها.
اليوم، وبعد مرور نصف قرن من التجريب في السياسة والصراعات التي تدور في فلك السلطة، وتبدّد كل محاولات التغيير السياسي الإصلاحي التي تردم الثغرات التي تحول بين شعوبنا وبين الخلاص من غوائل التخلف والاستبداد والفساد، فإنّنا في حاجة إلى تفكير استراتيجي مختلف بطبيعة القوى والخطاب المطلوب للإصلاح.
ذلك، لا يعني التخلّي عن مطالب الإصلاح السياسي تجاه السلطة، لكنّه يدفع إلى البحث عن الحلقة المفقودة التي تفسّر لماذا ندور حول أنفسنا منذ عقود!
* كاتب أردني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.