الشرق - السعودية كغيرها من القضايا الاجتماعية أو الرياضية أو السياسية، استأثرت الانتخابات التركية الأخيرة بموجات نقاش هائلة في شبكات التواصل الاجتماعية، خصوصاً تويتر وواتسآب عبر النقاشات الجماعية. شارك في تلك النقاشات كل التيارات، سواء كانت ليبرالية أو إسلاموية، أو وطنية. ومن أبرز المحاور التي نوقشت في مجموعات الواتسآب قضية المناصرة من الإخوانيين لأردوغان، واعتدادهم وفخرهم به كنموذج سياسي إسلامي صالح استطاع أن يعيد للإسلام السياسي منزلته، وأثبت للعالم أن الإسلام السياسي يمكن أن يقدم نموذج حياة كريمة لشعبه، على عكس ما ردده بعض النقاد للإسلام السياسي. ويضيف هؤلاء إننا لو رزقنا هنا أردوغان آخر، لاستطاع النهوض باقتصادنا وجعلنا في مصاف الدول المتقدمة، ولوقفنا خلفه في كل خطوة تنموية صغيرة أو كبيرة يقوم بها. ثم امتد بهم النقاش لذكر الوضع المتردي في البلد والتخلف المنتشر في كل مكان بسبب عدم إرادة الإصلاح والتنمية من القائمين عليها هنا. وقد كان من المشاركين في هذه المجموعة الواتسآبية، التي ينتسب معظم أعضائها إلى التيار الإسلاموي، الصديق الأستاذ ناصر اللويمي، أحد المنتسبين إلى الوطن وحسب، الذي رد عليهم بما نصه: -»أنا أظن أن النجاح اقتصادياً من أهم الأمور الدينية والدنيوية، ولكن لماذا نكيل بمكيالين؛ هناك ننظر إلى النجاح فقط مهما كانت نتائجه ونشيد به، وهنا عندما يأتي أي مشروع تنموي نبدأ بذكر سلبياته ونشكك في القائمين عليه وأهدافهم المخفية، أما هناك فلا يذكر شيء من ذلك. – في تركيا ﻻ نتكلم عن اختلاط؛ هناك عرض للنساء في الفترينات كما تعرض البضائع، ولم يسبق لمن أشاد بالنموذج التركي أن ذكر ذلك؛ وعندنا عندما أُقرَّ عمل النساء في المحلات أو العمل كاشيرات قامت الدنيا ولم تقعد وقيل ما قيل. – في تركيا الكنائس موجودة والتنوع الفكري والديني ولم ينكر أحد ذلك، وعندنا لو تضبط استراحة فيها بعض الطقوس الدينية لإحدى الفرق الدينية الإسلامية، أو كتب أحد مقاﻻً فكرياً قامت الدنيا ولم تقعد، واتهمت الدولة بالتفريط في دين الله. – في تركيا التعليم مختلط والنساء يرتدين ما يردن، وﻻ أحد يتحدث عن ذلك، وعندنا لو تنشأ جامعة عالمية للعلماء وليست للطلاب وتُجعل فيها من الضوابط ما يُرى أنه مناسب لوضع البلد لم يعجب ذلك المطبِّلين لتركيا ولبدأوا بالتشكيك زاعمين أن المقصود التمهيد للوصول لعفة النساء. – في تركيا المهرجانات السياحية والمعارض أمر إيجابي وضروري للتنمية وهنا المهرجانات ومعارض الكتاب أمر دخيل الهدف منه التغريب وطمس الهوية الدينية. – في تركيا اﻻهتمام بالفن والفنانين حضارة ورقي، وهنا مسلسل نقدي واحد كله أو أغلبه رجال أقام الدنيا وصدرت بشأنه الفتاوى. – في تركيا الرياضة رقي وحضارة والنساء جزء منها بجميع أصنافها بما فيها السباحة وألعاب القوى، ونحن نريد أن نقر الرياضة في مدارسنا فقط وفق الضوابط المعتادة لدواعٍ صحية بحتة، إﻻ أن ذلك مفسر على أنه استهداف لبناتنا، وغيرها كثير جداً على جميع السبل اﻻجتماعية واﻻقتصادية بل حتى السياسية، فأي موقف لتركيا بشأن القضايا الإسلامية تتم الإشادة به وهنا الدولة رغم كل مواقفها الإيجابية مع قضايا المسلمين في كل مكان فلا تزال مقصرة في نظرهم. أنا هنا ﻻ أقلل من إنجازات تركيا، وإنما أستغرب كثيراً كيف كانت هناك إنجازات، وهنا لو حصلت أو تم السعي للوصول إليها اعتبر ذلك أنه استهداف للدين وأهله.. عجبي ﻻ ينتهي هنا». انتهى كلامه. ثم تحدث إسلامويو تلك المجموعة الواتسآبية عن المثال الدارج بتشبيه المجتمع بسفينة، وأنها تحتاج إلى من يدير دفتها ويقودها إلى بر الأمان لا من يخرقها ليغرق الجميع، فعلق الأستاذ ناصر «السياسي هنا ﻻ يستطيع التطوير وحده، يجب أن يكون ركاب السفينة معه في العزم والتنفيذ، ﻻ أن يشككوا في نياته ويروا التطوير الذي يقودهم إليه تغريباً واستعماراً، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، خذ على سبيل المثال مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، من الذي أجهضه؟، مشروع الملك لتطوير القضاء، وغيرهما كثير، بل إن كثيراً من المشاريع الناجحة لم تتم بمباركة من ركاب السفينة، بل كانت بقرارات حازمة من قائدها، وهي كثيرة ولله الحمد. ركاب السفينة إذا كانوا يرغبون في التطور فسينجحون، أما إذا انكفأوا على أنفسهم فلا تلُمْ قائدهم الذي يحاول جاهداً موازنة الأمور بما ﻻ يخرق السفينة». انتهى. وهكذا استطاع الأستاذ ناصر عبر هذه الأمثلة العديدة والمتنوعة إبراز مقدار التناقض الذي يعيشه كثير من المنتسبين للتيار الإخواني، فهم حين يسمعون بمن ينادي بشعار الإسلام خارجياً يصطفون ويصفقون له ويتفاخرون به بغض النظر عن الممارسات السياسية التي يقوم بها، ولو وجدوا إحدى تلك الممارسات التي يقرها ويعمل بها ذلك المنادي بالإسلام السياسي خارجياً، لو وجدوها هنا، لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها ولوصموا من تبنى تلك الفكرة بالمروق من الدين ولألصقوا به كل التهم الممكنة من تخوين وتغريب وخيانة للأمانة. وأقرب الأمثلة على هذا الاحتجاجات القريبة التي رأيناها حول مجلس الشورى مناهضة إقرار حصة الرياضة للطالبات، تحت ذريعة سد الخطوة الأولى لمشاركة المرأة في الأولمبياد، وقبلها ضد ابتعاث الفتيات، تحت ذريعة الإفساد والتغريب. ali_magid@