الوطن - السعودية لم أكن أبدا من المتعاطفين مع حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس وزراء تركيا رجب طيب إردوغان، وما يحمله من أفكار سياسية ثورية الطبيعة، وأممية المسعى، تتجاوز حدود المحيط الوطني التركي ببعديه: الاجتماعي والقومي إلى حدود أشمل تضم بين ثناياها دولا عربية وإسلامية، كما أنني لم أكن أبدا من المعارضين أو الناقمين على هذا الحزب وقناعته الفكرية التي أراها قومية في الأساس أكثر من كونها دينية، فحلم إعادة أمجاد الدولة العثمانية بهويتها التاريخية مسعى أصبح واضحا للجميع؛ لأن الحكومة الإردوغانية تعزف على مواله وتروج ثقافته وتهيج الحنين إليه. من حق الأتراك أن يختاروا حكامهم وهو تميز أنعم الله عليهم به في حين لم يغدقه على كثير من دول الشرق والغرب، وإن كان الأتراك يرضون بأن يحكمهم من يسلب منهم حريتهم فيتواصل التعبير بحجج أمنية وتبريرات مؤامراتية فهم يصنعون من أنفسهم توابع وأفواجا من العبيد الجدد، فعندما يقوم 47٪ من الأتراك بتأييد الحزب الإردوغاني في الانتخابات البلدية الأخيرة وهو الذي حجب أشهر مواقع التعبير الإنساني والفردي "تويتر" واخترق بروتوكولات "غوغل" من أجل تعطيل العناونين المحجوبة ليمنع الناس من الولوج لمواقع التواصل الاجتماعي، فإن ذلك يعني أن هناك مكونات مجتمعية تعشق الخنوع والكذب على الذات والتعلق بأحلام عودة الفارس المغوار الذي غالبا ما يتحول في نهاية المطاف لديكتاتور. في عالمنا العربي، هناك ملايين من العبيد الجدد الذي وجدوا في التبعية للتركي مخرجا لهم من تبعية الفقر والظلم والتهميش، فصدقوا ذريعة الإخوان "المتأسلمين"، وانجروا خلف شعارات خشبية روجتها للأسف ظروفنا العربية المخزية التي أتاحت للتضليل فرصة للانتشار، فالتعلق بقشة في أعين المنهزمين خير من التعلق بوعود أفقدها الأمل والانتظار. ظاهرة إعجاب بعض العرب بإردوغان جديرة بالدراسة لتحليل بعض من الانفصام النفسي العربي والإسلامي، فهو، أي إردوغان من جانب يرفع شعارات إسلامية ومن جانب تقيم دولته علاقات مع إسرائيل، ومن جهة يحجب وسائل الإعلام ويصدر في ذات الوقت مسلسلات الانحلال الأخلاقي لعالمنا العربي، ومن جهة كذلك يدعي الديمقراطية، في حين يسجن العسكريين بذريعة أنهم انقلابيون، وأخيرا يوجه خطابه الانتخابي للداخل، إلا أنه عندما يفوز يرفع بأصابعه تعبيرا عن النصر بإشارة "رابعة" المصرية!