لا يصحُّ أن نخافَ من الزحفِ، أو النّصرِ، أو الوردِ الأردوغانيِّ الذي فاحت رائحتُه في تركيا، وعمّت أوروبا والعالم. والحق أن الرجلَ الطيّبَ أردوغان قدّم صورةً مضيئةً للحضارةِ الإسلاميةِ الحديثةِ، ساعدت، وتساعدُ في إزاحةِ الغبشِ الذي عَلِقَ ظلمًا بالإسلام والمسلمين طوال الحقبةِ الماضيةِ. لقد أثبتَ فوزُ أردوغان بولايةٍ ثالثةٍ في دولةٍ كبيرةٍ مثل تركيا -كانت حتّى وقتٍ قريبٍ تستيقظُ على انقلابٍ، وتُمسي على محاولةِ انقلابٍ- قدرةَ الانسانِ المسلمِ على الإبداعِ والابتكارِ.. وبهدوءٍ، وحكمةٍ، واتزانٍ نجحَ الرجلُ، وخاصته من أهلِ العلمِ والسياسةِ والاقتصادِ في لمِّ غالبيةِ الشعبِ حولَه، ومن ثم تقلّصت الانقلاباتُ حتّى انعدمت، وتفرّغ الجيشُ التركيُّ لمهمتهِ الأصليةِ. ولأنَّ ذلك كذلك، فقد انتعشَ الاقتصادُ التركيُّ بفعلِ تشجيعِ الاقتصادِ الحرِّ، وأينعَ القرارُ السياسيُّ بفعلِ القرارِ التركيِّ الحرِّ. لقد خاضَ أردوغان جولته الانتخابيةِ تحيطه أفعالٌ لا أقوالٌ. ومن نجاحٍ إلى نجاحٍ مضى الرجلُ في حصدِ أصواتِ الشعبِ ذي الإرثِ العلمانيِّ الكبيرِ. وعلى المستوى الدوليِّ كان للرأيِ التركيِّ قيمتُه وفعاليتُه ليس على صعيدِ العربدةِ الإسرائيليةِ فقط، وما أعقبها من اعتذاراتٍ لم يقبلها الرجلُ حتّى الآن، وإنّما على جميعِ الأصعدةِ: العراقيةِ، والسوريةِ، والليبيةِ، وغيرها... والحاصلُ أنَّ المنظومةَ، أو التركيبةَ الأردوغانية نجحت باقتدارٍ في تقديمِ صورةٍ للتناغمِ الجميلِ، وغير المصطنعِ بين التمسّكِ بالحضارةِ، والإرثِ الإسلاميِّ العظيمِ، وبين التقدّمِ العلميِّ، والحضارةِ الأوروبيةِ المعاصرةِ في شقّها الأبيضِ، لا الأسود. ولأنّها أفعالٌ لا أقوال، فقد توقفَ العالمُ كله أمامَ كلماتٍ موجزةٍ خاطبَ بها رجلُ تركيا السليمُ شعبَه قائلاً: «بعدَ هذا اليومِ سنكونُ نموذجًا للمنطقةِ والعالمِ». والواضحُ هنا أنَّ أردوغان لا يتكلّمُ من فراغٍ قياسًا بما قدّمته حكومتُه منذ وصولِها الحكمَ في عام 2002 . لقد كانَ هدفُ تركيا الحديثةِ واضحًا منذ الدقيقةِ الأولى لوصولِ الأردوغانية؛ ولأنّه هدفٌ وأملٌ مشروعٌ، فقدْ حددَ الرجلُ عامَ 2023، الذي يصادف مئوية الدولة؛ لتصبحَ تركيا بين الدولِ العشرِ الأولى في مجموعةِ العشرين. في المقابلِ العربيِّ، وعلى صعيدِ الأقوالِ دونَ الأفعالِ حدّث ولا حرج.. رئيسُ جمهوريةٍ يتحدّث عن دولتهِ الديمقراطيةِ الحديثةِ، وجنوده يركلونَ بأحذيتهم جثثَ المخالفين له في الرأيِ، وزعيمُ جماهيريةٍ يرفعُ شعارَ «زنقة.. زنقة» في محاصرةِ، ومقاتلةِ المعارضين له، وهناك مَن تحدّث عن نموِ الاقتصادِ، ومعدلاتِ التنميةِ قبل أنْ يستيقظَ الشعبُ على اكتشافِ حقيقةِ أنَّ الاقتصادَ والتنميةَ المقصودين يختصّان بذويه، وأصحابهم. وإذا كانت مجموعةُ العشرين تعني عند تركيا، والشعبِ التركيِّ أملاً وحلمًا في مزيدٍ من التقدّمِ نحو مصافِّ الدولِ الكبرى، فإنّها باتت تعني في جمهورياتٍ عربيةٍ أخرى تلك المجموعة الشرسة من الوزراءِ، ورجالِ الأعمالِ المكلّفين بامتصاصِ دماءِ شعوبها. [email protected]