بوابة يناير - القاهرة أراجوز ... كلمة ذات اصل تركي لكلمة «قره قوز» و التي تتكون من مقطعين هما «قره» بمعنى سوداء و «قوز» بمعنى عين ، و بذلك يصبح المعنى العام لكلمة «قره قوز» هو «ذو العين السوداء» وذلك دلالة علي سوداوية النظر إلى الحياة.. والأراجوز هو أحد الأشكال التي تنتمي لما يعرف باسم «مسرح العرائس» و هو علي وجه الدقة عبارة عن دمية قفاز ، حيث نجد رأسه مصنوعة من خامة خفيفة و صلبة كالخشب ، مرسوم عليها وجه ذو تعبيرات حادة ، وتنتهي من أعلي ب «طرطور أحمر اللون» . أما وسط الدمية «الأراجوز» وصدره فهما عبارة عن جلباب أحمر طويل، ويداه قطعتان من الخشب.. ويتم التحكم في تحريك الدمية الأراجوز عن طريق اليد حيث يستطيع اللاعب أن يحرك رأسه باصبع السبابة . و تختفى يد اللاعب كاملة داخل جلباب الأراجوز الأحمر . و هذه هي آلية تحريك دمية الأراجوز . النصوص الدرامية الخاصة بمسرح الأراجوز تكون ما بين النصية والارتجال، حيث هناك مجموعة من النصوص الدرامية تظل في ذاكرة اللاعبين، فهم يتوارثون هذه النصوص المسرحية جيلا وراء جيل، ولاعبا وراء لاعب، و قد يتم هذا النقل الشفاهي من أب إلي ابنه، أو من معلم إلي أحد الصبية المساعدين.. و هذا النقل يمكن أن يكون مجهول المصدر بمعنى لا يعرف اللاعب من هو مؤلف هذا النص حتي و إن تناقله مع غيره من اللاعبين.. ولكن هذا الحفظ الشفهي لا يخلو من الأداء الخاص حيث يقدم اللاعب ما حفظه عن طريق الارتجال العفوي الفوري.. وهذه النصوص يجب أن تعبر عن الواقع بطريقة واضحة ولكن غير مباشرة حفاظاً على استمرارية النص لفترة أطول قبل أن يجبر الاعب على تغييره بالإكراه من السلطة.. فهو يعتمد بشكل أساسي على ذكاء الجمهور. يقوم أسلوب الأداء التمثيلي في مسرح الأراجوز علي الإيحاء لا الإيهام ، فأسلوب التمثيل الإيحائي يعنى بأن ما يراه المتفرج ليس إلا لعبة مسرحية، أما اسلوب التمثيل الإيهامي فيقصد إلي اقناع المتفرج بأن ما يراه علي ساحة التمثيل هو واقع حقيقي ماثل أمام عينيه.. ويعتبر اختيار اسلوب الأداء التمثيلي اختيارا متوائما مع طبيعة البنية الدرامية للنص المسرحي الشفاهي الذي يقدمه اللاعب في مسرح الأراجوز ، فالنص المعروض هنا يتوجه بشكل مباشر وصريح إلي المتفرج مع بداية العرض وتستمر هذه العلاقة المباشرة، و المعلنة لأسرار اللعبة وخفاياها، بنفس الدرجة طوال عرض المسرحية. باسم يوسف... «أراجوز العين الخضراء» مختلف تماماً عن فكرة الأراجوز، لكن منتقديه وكارهيه هم من أطلقوا عليه هذا اللقب وهو لا يغضبه بل يتخذ منه سبيلاً لفضح هؤلاء الذين يخشون من مجرد أراجوز كما يدعون عليه.. ذلك الساخر الذي يفضح المسخرة التي نعيش فيها.. ثم يحولها إلى بهجة في زمن الغضب زمن غلبت عليه سلوكيات الحقد والكراهية. بهجته من سخريتة.. فحين تلامس الجرح وتظهر العيب وأنت ترسم الابتسامة على وجه المشاهد باستخدام صورة تجعله يضحك، فأنت تسخر.. وحين يضحك الموجوع من ألمه ويعيش واقعه بضحكة تخفف عنه آلامه ويضع حلولا ولو بالأحلام فهم يسخرون.. وحين نعبر عن حالة رفض للواقع دون الاصطدام أو خلق حالة مواجهة مباشرة مع السلطة فنحن نسخر... وبأسلوب مبسط السخرية سلاح ذاتي يستخدمه الفرد للدفاع عن جبهته الداخلية ضد الخواء والجنون المطبق، إذ أن السخرية رغم هذا الامتلاء الظاهر بالمرح والضحك والبشاشة إلا أنها تخفي خلفها أنهارا من الدموع. السخرية هي صناعة شعبوية تتحطم عليها كل الأصنام.. تضع كل سلطة منفوخة عند حجمها الذى يستطيع الشخص العادى أن يتناولها كما يشاء.. صناعة ضد كل ما تضخم من سلطات عبر تاريخ البشرية.. حيث يريد أن يصنع الرجال من أنفسهم أصنامًا مقدسة يقمعون بها كل من يقترب منهم أو يشعر بأنهم كائنات مثلنا من لحم ودم.. فالسخرية تنزع القداسة عن السلطة التى تقهر الناس باسم وجودها فى ذلك المكان المقدس، حيث يتصورون أن كلامهم التافه سيتحول إلى خطابات تحمل الحكمة والفلسفة.. وحيث يتصورون أنهم فى قلعة تحميهم من الغضب أو النقد.. فصنم عبادة المنصب له أسماء للتدليل والتخفيف مثل: النقد المباح.. احترام رجل السلطة.. (اعتبره أبوك يا أخى).. إلى آخر هذه القيم التى يراد بها باطل هو تكريس الحكم الأبوى المجنح.. فالسخرية تدفع المتفرج إلى التخلص من القبضة الناعمة للسلطة وتكون هي السبب الرئيسي للبهجة. ذلك الأراجوز الذي يحمينا ويحافظ على ما تبقى لنا من حرية إنتزعناها بثورة عظيمة هو أحد وأهم إكتشافاتها، فهو الذي إستثمر الحرية ودافع عنها وظل حامياً لها من خلال برنامجه الساخر الناجح منذ اللحظة الأولى حيث بدأ موسمه الأول من البرنامج كإعلامي ساخر من الإعلاميين أنفسهم.. ثم أنهى موسمه الثاني كإعلامي ساخراً على سخرية الجميع.. وها هو في موسمه الثالث يحافظ على الحرية التي إنتزعت بدماء غالية علينا جميعاً.. ذلك الساخر الذي يعتمد على الصورة وحدها فقط في إستعراض مادته.. تلك الصورة التي يصنعها صاحب الصنم لنفسه يجعل منها باسم فأساً حادة تنزل على نفس الصنم لتحطمه.. هذا ما فعله مع المرسي الذي رسمت له جماعته صورة من التدين المزيف المصحوبة ببعض الحداثة المصطنعة والأساطير الساذجة لتصنع منه صنماً للخلافة وأستاذية العالم. والصنم الجديد يخاف على نفسه من فأس الساخر الذي تستهويه فكرة تحطيم الأصنام.. خاصة وأن الصورة المصنوعة للجنرال مادة سهلة للغاية، فهو بكل سذاجة ترك نفسه لمشبوهين يرسمون تلك الصورة التي تفتقد الخيال والحرفية.. ومن خلال حلقات معدودة للساخر إهتز الصنم ويكاد أن يسقط.. وسيسقط. بعد 30 يونيو وحالة الشتات التي أصابت الكثيرين منا.. إستطاع الأراجوز الساخر أن يعيد الأمور إلى صوابها.. أعاد السلطوي إلى سلطته.. والثوري إلى ثورته.. فلم يسقط «باسم» كما سقط الإعلاميين الغرباء عنا في قبضة السلطة.. وها هو يحمي البسطاء من السقوط في بحر الكذب والتدليس الذي ملأ الشاشات.