من الصعب صناعة شخصية فكاهية آسرة، فالحس الساخر يتطلب ذكاء لماحاً ونظرة تكتشف مواطن السخرية في أي موقف لتبرزها وقدرة لغوية تتحكم في توصيل الفكرة بعيداً عن التهريج المبالغ فيه. في التمثيل تكون المبالغة أحيانا صورة من صور الفكاهة مثل المبالغة الشكلية للشخصية من خلال جعلها ترتدي زياً معيناً أو تصفف شعرها بطريقة معينة، والمبالغة أيضاً في صناعة الموقف لتوصيل فكرة معينة. "شخصية السيد بين" مثلاً كانت تميل للصمت في بداية ظهورها التلفزيوني وتعتمد على الموقف والحركة وتعابير الوجه والتي تتطلب تقينة تمثيلية وتصويرية معينة وقبل أن تتجه للأفلام السينمائية حين استدعى الأمر أن يكون هناك نص وحوار وجمل تستنطق الضحك لدى المتفرج. برنامج "فرنش وسوندرز" يعتمد كثيراً على المبالغة في توصيف الشخصيات سواء أكانت شخصيات عامة ومعروفة أو شخصيات صنعها النص مع التركيز على مواقف معينة مرتبطة بهم يعرفها المتلقي ويتفاعل معها ومع الرؤية الساخرة. حين انتقلت "دون فرنش" الكوميدية المشهورة من برنامج "السكتشات" إلى مسلسل فكاهي ضاحك وتحولت المواقف الفكاهية الساخرة القصيرة إلى نص وشخصيات كثيرة لكل منها دوره المهم في اكتمال المشهد الكوميدي تغيرت طريقة أدائها وهي تمثل شخصية الواعظ في قرية صغيرة، قل ضجيج الشخصية الذي تحتاجه حين تمثل مشهداً قصيراً تختزل فيه مجموعة من الأفكار، لكنها بقيت محافظة على نكهتها الكوميدية الخاصة وعلى عفويتها وحركات وجهها التي تغني عن ألف كلمة. بقيت تتأرجح بين تمثيل "الاسكتشات" الكوميدية وبين تمثيلها لشخصيات كثيرة في مسلسلات فكاهية متنوعة لكنها عرفت أن تفرق في الأداء وأن تبرز ما يحتاجه الدور وما يحتاجه البرنامج. ذكاء الممثلة هنا صاحبه قدرة فائقة على تحويل ما يمكن أن نسميه "تهريجا" قد لا نقبله من آخرين إلى كوميديا تضحكنا. فحضورها الصاخب في مشهد قصير ساخر قد لا تتقبله من شخص آخر لكنها هي تنجح في تنويمك مغناطيسياً حين تطل مع رفيقتها "سوندرز" في هذه المشاهد لتضحك وتضحك وتكمل الضحك. الكوميديا الناجحة هي كوميديا ناضجة تجعلك تضحك مع الشخصية لا على الشخصية فقط، هي تلك التي تجعل الابتسامة تنساب على شفتيك بانسيابية لا تقتطعها اقتطاعاً. والكوميدي الناجح هو الذي يملك عينا لاقطة ترى الصورة بطريقة مختلفة. حين نريد أن نصف موقفاً مررنا به بأنه موقف غير معقول أو غير منطقي أو مبالغ فيه نقول "موقف كوميدي"، وكأننا نختصر الكوميديا في كل ما هو مبالغ فيه، لكن الواقع أحيانا قد يكون أكثر "كوميدية مما نتوقع" الواقع له حسه الساخر أحياناً والذي يفوق ما نراه مكتوباً في سيناريو وحوار. الممثلة الأمريكية "تينا فاي" قبل عدة أعوام تقمصت شخصية "سارة بيلن" نفس تصفيف الشعر نفس الزي ونفس النظارة، كل ما فعلته في ذلك البرنامج الكوميدي هي أنها كررت نفس العبارات والإجابات التي قالتها "سارة" في برنامج حواري تلفزيوني سياسي! مع بعض الإضافات البسيطة، حين ترى مشهد "تينا" قد تظن أنه مشهد مكتوب بحبكة جيدة كي تضحك، لكت كل ما فعلته الممثلة الذكية هي أنها نسخت الواقع ومثلته وأضحكت الجميع. ذكاؤها الفني وجد في هذه المقابلة فرصة تستحق التوثيق واستخدمت مهاراتها الفنية لصنع المشهد. استثمرت الممثلة قدرتها في محاكاة شخصية "سارة بيلن" أكثر من مرة وفازت بجائزة "إيمي" عن هذا المشهد كما أنها ظهرت مع السيدة "سارة بيلن" في نفس البرنامج لتحقق أعلى نسبة مشاهدة وهي حركة استمثارية ذكية استفادت منها السيدتان إعلاميا وجماهيريا. الكوميديا لا تضحكنا فقط بل توصل الفكرة بطريقة انسيابية غير مباشرة ومريحة، حس الفكاهة والسخرية حين يوظف جيدا فإنه يكون أسرع وأقرب وسيلة لتوصيل الفكرة بطريقة سلسلة ليتقبلها المتلقي.