في العهد العثماني الثاني، وصل فن الأراجوز إلى ليبيا، واستطاع هذا الفن الشعبي اكتساب ارضية له في وجدان سكان بعض المدن الليبية وأهمها طرابلس وبنغازي، فاحترف أشخاص هذا الفن وكانوا يصنعون العرائس ويحركونها ويؤدون أدوار شخصيات اعمالهم الفنية الساخرة. وكان فن الأراجوز وعلى رغم مسرحه الصغير، وسيلة بهجة ومتعة وثقافة لأطفال تلك المدن وحتى كبارها في بعض الأحيان، وما فتئ أن تحوّل سريعاً الى احد اركان الفن والثقافة الشعبية في تلك الفترة. فقدمت حكايات من التراث، يعلَّق من خلالها على يوميات الحياة وهموم الإنسان في تلك المدن، وتمحورت حول الحرب والحب والخيانة والفساد والشهامة والموت والحياة. واشتهرت عرائس هذا الفن وحكاياته بين الجمهور الذي حفظ القصص وراح يرويها في اسفاره الى أن وصلت الى مناطق لم يكن زارها بعد هذا الفن الشعبي. واستطاع فن الأراجوز الاستمرار في المدن الليبية أكثر من قرن، الى ان احتل المسرح والسينما مكانه وأقصياه شيئاً فشيئاً حتى اختفى تماماً مع نهاية ستينات القرن العشرين. لكن هذا الفن الساخر متجذر في الثقافة الشعبية الليبية، وصار مرادفاً للسخرية والرفض وأخذ اسمه معنى المهزلة في القاموس الشعبي الليبي، فصار اللامنطق والعبث وما يناقض العقل وقوانين الحياة أراجوزاً بالنسبة الى الليبيين على مختلف اصنافهم واهتماماتهم ومواقفهم الاجتماعية. تلتقط الفنانة نجلاء الشفتري هذا الفن، لترسم بأسلوب الأراجوز رؤيتها للمجتمع الليبي الحديث الذي تهيمن فيه قيم الذكورة بكل صفاتها وتجبّرها الشديد. كانت أعمالها السابقة حلبة صراع بين خطوط هذه الذكورة القاسية ودوائر الأنوثة الناعمة، اما في معرضها الأخير «أراجوز» فالذكورة وثقافتها المتطرفة الصحراوية لا تهيمنان على رغم تربعهما على أسطح كل اللوحات على المشهد، اذ تجعل نجلاء من تلك القيم موضوعاً للسخرية والتندر، وتجعلها وبالتعبير الليبي الشعبي «قراقوز» أي مهزلة اجتماعية وحضارية، ومن رموز تلك الثقافة وأبطالها شخصيات كرتونية تثير الضحك والرثاء. وعلى رغم السيوف والعضلات والشوارب واللحى فإن كل ذلك ليس الا كرتوناً مضحكاً ومثيراً للشفقة! تظهر كل الوجوه والأجساد الذكورية مسطحة وهشة على رغم الصرامة المصطنعة والزائفة، وتبدو محشورة وسجينة صندوق الأراجوز الصغير ومعزولة عن العصر ومسار الحضارة والتاريخ. الطرابيش والجلابيب والسيوف وأذرع القراصنة تثقل شخصيات أراجوز نجلاء في صراعها اليائس من اجل البقاء وإن خارج التاريخ، لتبدو أسلحة محكومة بالهزيمة على رغم جعجعتها المدوية وشواربها ولحاها الكثة القاسية. تختفي الأنوثة والنساء من كل أعمال نجلاء وكأنها أُقصيت عمداً، فالساحة التي يوفرها فضاء اللوحات لا تتسع الا لعجرفة الذكورة المثيرة للسخرية. ولا تقتصر ثقافة هذه الذكورة الخارجة من صندوق الأراجوز على سن معينة أو جيل محدد من الرجال، فالأجيال تظهر بكل أعمارها على فضاء اللوحات وبالحدة والقسوة الكرتونية المضحكة نفسهما.