ONA - القاهرة يرفع البعض شعار «فلنكن كما كان السلف في الفقه والأفكار والأعمال» ويبدو أن هذه الدعوة كانت براقة لذلك حدث تمدد للتيار السلفي في كثير من الدول، ورغم أن الله سبحانه لم يطلق علينا إلا تسمية واحدة إذ قال في كتابه الكريم {هو سماكم المسلمين من قبل} ولكن البعض يرغب في التمايز فيفارق تلك التسمية المباركة ويخترع من عنده تسميات لا أصل لها في زمن النبوة، ولعلنا جميعا نعرف الحديث الشريف «يبعث الله على رأس كل مائة من يجدد للأمة أمر دينها» وهذا الحديث يعني أن فهم المسلمين للدين سيظل متجدداً وفقاً للأحداث ولتغير الزمان والمكان، الا أن من رفع شعار السلفية أراد من الأمة أن تقف عند زمن واحد وفكر واحد. لذلك سؤال لابد من الإجابة عنه هو: هل السلفية مذهب ديني أم أنها فترة زمنية مباركة؟ أجاب عن هذا السؤال العلامة الدكتور المرحوم محمد سعيد البوطي في كتابه الشهير «السلفية مرحلة زمنية مباركة» وأظن أن عنوان الكتاب يدل على طبيعة الاجابة، لم يكن غريباً على البوطي أن يطرح فكرته بسلاسة واقتدار وهو الدارس الباحث الأريب الذي أوتي من كل فقه سببا، ولم يكن من المستغرب أن يصل البوطي في بحثه إلى حقيقة غابت كثيرا عن أذهان بعضهم، تلك الحقيقة الغائبة تشير إلى أن «السلف لم يكن شيئا واحدا ولا طريقة واحدة» بل عاش الإسلام في العصور الأولى تلك العصور التي يبتغي البعض اقتفاء آثارها ذراعاً بذراع وشبراً بشبر بين تشدد المتشددين وتيسير الميسرين، عاشت تلك العصور التي نطلق عليها عصور السلف بين أهل التقليد وأهل الرأي، بين من يأخذ بالعزيمة ومن يأخذ بالرخصة دون أن ينكر هذا على ذاك ولا أولئك على هؤلاء. كانت السلفية إذن مرحلة زمنية ولكنها تحولت عند بعض أصحاب الأفهام المتشددة إلى مذهب ديني مبتدع، وعن ذلك يقول البوطي رحمه الله «ان السلفية الحالية مذهب جديد مخترع في الدين، وان بنيانه المتميز، قد كونه أصحابه من طائفة من الآراء الاجتهادية في الأفكار الاعتقادية والأحكام السلوكية، انتقوها وجمعوها من مجموع آراء اجتهادية كثيرة مختلفة قال بها كثير من علماء السلف وخيرة أهل السنة والجماعة، اعتمادا على ما اقتضته أمزجتهم وميولاتهم الخاصة بهم ثم حكموا بأن هذا البنيان الذي أقاموه من هذه الآراء المختارة من قبلهم، وبناء على أمزجتهم وميولاتهم، هو دون غيره البنيان الذي يضم الجماعة الإسلامية الناجية والسائرة على هدي الكتاب والسنة، وكل من تحول عنه الى آراء واجتهادات أخرى قال بها فصيل آخر من السلف فهم مبتدعون تائهون». ولأن السلفية بمفهومها المتشدد تمددت وانتشرت في أوساط أنصاف المثقفين لذلك كان لابد لجماعات الإسلام السياسي التي صارعت ولا تزال تصارع من أجل الحكم ان تحاول احتواء تلك التيارات السلفية، وأهل هذه التيارات على الرغم من انتقاداتهم للاخوان الا أنهم وافقوا على ان يقعوا بين أيديهم لعل أيام الحكم تطولهم وتصل اليهم، ولكن الوفاق لم يستمر طويلا، فجماعة الاخوان ليس لها دين ولا وعد، وعلماء السلفيين وإن كانت خبراتهم السياسية محدودة الا أنهم عرفوا أنهم كانوا مجرد سلم ارتقاه الاخوان ليصلوا للحكم، والآن وبعد ان سقط الاخوان من كرسي الحكم اذا بالحركة السلفية تقع في اشكالية كبرى، اذ ان قياداتهم وقفت موقف المخاصمة مع الاخوان، الا ان جمهورهم لايزال يقف في دائرة الاخوان، وقد يؤثر هذا التناقض في مستقبل الحركة السلفية، ألم يكن من الأجدى لهم ان يتفرغوا للعمل الدعوي؟ لعن الله ساس ويسوس.