الحياة - السعودية قررت وزارة التربية والتعليم التصدي لمظاهر الفوضى في بعض مدارسها التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، إذ صوّرت بعض المعلمين الذين عاثوا في المدارس «لعباً وسعباً» - يعني لعباً ورقصاً - فصوّرت كاميرات الهواتف الذكية مدرساً للرياضة في أحد الصفوف الأولى الابتدائية واقفاً أمام طلابه في حصة رياضة يعلّمهم أن يرددوا شعار فريق رياضي من أشهر فرق الرياضة في المملكة، وأول حرف من اسمه النصر حالفه الحظ ففاز في مباريات عدة، ما جعل جمهوره يؤلف شعاراً طريفاً يقول «متصدر لا تكلمني»، تحول في ما بعد إلى أغنية حظ سعيدة. حرص مدرس الرياضة على أن يربي النشء على حب فريقه والولاء له، فعقل الطفل كما تعرفون عجينة لينة يمكن تشكيلها كما يشاء المربون، وبهذا يشحن النشء الجديد بأن فريقه النصر هو من يستحق التشجيع والجدارة حتى الآن، تعتبر هذه «وجهة نظر» ولن يكون تطبيقها صعباً، فالطفل يحب ويسهل أن يندمج في الجماعة بلا مشكلات وسيتبع معلمه، خصوصاً إذا كان دمه خفيفاً، أما إذا رقص معهم في الحصة وغنّى، فإن الهوى سيكون حيث هوى. المشكلة ليست هنا، فالطفل نشأ في منزل مثل منازلنا يشتهر بتعصبه الرياضي، وكان الوالد يدعو الله طوال عمره ألا يبتليه بابن يشجع الفريق المنافس، فنحن كما تعرفون لا نسمح بالاختلاف، ولا يجب أن نخرج عن تقاليد العائلة، ولو اكتشف الوالد أن ابنه وقع في براثن حب الفريق المنافس فسيعرف أنه اختطفته جماعة المدرسة «النصر»، وسيصرّح للإعلام بأن وزارة التربية والتعليم مختطفة من فريق النصر، لهذا سارعت وزارة التربية والتعليم لنفي هذا الخبر، وأعلنت أنها تحقق في الموضوع، وستعاقب وتحاسب من يتصدر بأفكاره الخارجية في المدارس، كي يعرف كل مواطن ومدرس أن المدرسة ليست «بيت أبوك» تفعل فيها ما تريده أنت، وليست معسكرات تربية شخصية أو منظمات حزبية تربي فيها النشء الصغير «على كيفك»، بل هي نظام تربية وتعليم. المشهد الثاني الذي انتشر بين الناس أخفّ من الأول، لأن خارقي النظام التعليمي هم ثلة من المعلمين صفوا أمام الطلبة، ورقصوا رقصة تراثية شهيرة لا تقل رشاقة عن رقصة البطريق الفنلندية، لهذا ضاع اسمها بين القبائل، وقيل إنها ربما في معرض احتفال باليوم الوطني تباسط فيه المعلمون قليلاً، المشاهد التي تسرق من ردهات مدارس التربية والتعليم تنافس مسرحية «مدرسة المشاغبين»، ومثلما شفعت خفة الدم لمشاغبيها في «مدرسة المشاغبين» فتعاطفنا معهم وانحزنا لهم ضد نظام التعليم البائد الجامد، فكذلك شفعت الطرافة لهذه المشاهد المصورة، لكن وزارة التربية والتعليم اعتبرت أن ظهور نشئها ومربيهم يرقصون ويغنون ويرفعون شعار «متصدر لا تكلمني» سقوطاً لهيبتها. الهواتف الذكية - التي يبدو أنها أذكى منا - هي التي كشفت ووثقت «حالنا المايل»، ليس فقط مدارس التعليم المختطفة، لكنه هو ميدان حديثنا اليوم، فسقوط هيبتها وتراجع سطوتها حدث منذ زمن، ربما منذ ما قبل أحداث 11 سبتمبر وما جاورها حين كان مدرس التاريخ في مدرسة أبنائي يقطع حصة التاريخ ليحدث الطلبة عن بطولات أسامة بن لادن في الجبال. ويطلب مدرس الرسم من طلبة الأول الابتدائي أن يرسموا طائرتين تصطدمان بالبرجين. ويكتب مدرس الرياضيات عن معادلة رياضية رموزها شهداء قتلوا فكم بقي منهم. غاب المسرح عن وزارة التربية والتعليم وتحول إلى معسكرات «لا صفية» تدرّب على الجودو وفنون القتال، وانتشرت بينهم أناشيد حماسية ذات أشواق ملتهبة عن الجهاد والمجاهدين في الجبال والكهوف، وعن أعداء الدين، ونصرة الأمة الإسلامية في كل مكان. أذكر منها نشيداً صدع به طفلي رأسي، مطلعه «أماه لا تجزعي فالحافظ الله» حتى كدت أن أخنقه أو أرسله بنفسي إلى الجهاد. وزارة التربية والتعليم تحتاج إلى أبلا عفت «المعلمة في مدرسة المشاغبين» التي ظنّ مدير المدرسة أنها معلم ذكر فقبلها، ليكتشف أنها أنثى جاءت تعلم الطلبة «ما هو المنطق»، والمنطق يقول صحيح أن الرقص المنفلت وتشجيع الفرق الرياضية يضران ويخلقان فوضى لا تليق بميدان التعليم، لكن تجاهلها ولا مبالاتها طوال عقود أفرغا وزارة التربية والتعليم من مناهجها، وهدما أعمدتها، وأوقفا نموها وتطويرها، فعاشت أعواماً عجافاً، بدت فيها المدارس وكأنها بيوت شخصية لسكانها يفعلون بها ما يشاؤون، ويدعون من يشاؤون لإلقاء المحاضرات الوعظية، ومكتباتها تعج بالكتب المؤدلجة، فهل تريد وزارة التربية والتعليم التي صمتت عن عملية اختطاف كاملة لنظام التربية والتعليم كله أن تقنعنا اليوم وهي تنتفض أمام مشهدين مضحكين أنها فهمت ما هو المنطق؟ تعرفي إيه عن المنطق يا وزارة التربية والتعليم؟ [email protected]