بوابة يناير - القاهرة «هو جنسيته إيه» هكذا بدأ القائد المصري للطائرة المصرية حديثه عندما فاجأته المضيفة المصرية بأن هناك كارثة على الطائرة التي قد حلقت في الهواء.. والتي هي كما درست في الكتب الأجنبية التي أصبحت مضيفة بعد دراستها والإختبار في ما تعلمته منها؛ بأنه إذا حدثت على متن الطائرة حالة مرضية صعبة لأحد الركاب فهذه كارثة كبرى يجب أن تتوقف أمامها كل الأولويات والغايات في سبيل سلامة وحياة هذا الإنسان التي هي أهم بكثير من كل الإعتبارات الأخرى. القائد المصري عندما إطمأن قلبه بأن الراكب مصرياً شعر بأن المضيفة كانت قد أزعجته بدون داعي فالأمر بسيط، وأمرها بأن تعطيه مسكن.. فلم تستسلم المضيفة للقائد وقررت أن تبحث عن طبيب يكون لحسن الحظ على متن الطائرة بين الركاب.. إلا أنها فوجأت بأن المريض يحمل جواز سفر أمريكي أبرزه من جيبه متعمداً كي يضمن بأن ما دُرس في الكتب الأجنبية سوف يطبق عليه.. فهرولت المضيفة إلى الهاتف لتخبر القائد يأن المريض أمريكي الجنسبة؛ فقرر القائد دون أدنى تفكير في تطبيق ما درسه في الكتب الأجنبية وعاد بالطائرة إلى المطار لإنزال الراكب الأجنبي حفاظاً على حياته. المشهد الأخير من فيلم «عسل إسود» مايو 2010 للكاتب «خالد دياب» والمخرج «خالد مرعي». «يا بلاد عنك رحلنا ودموعي هربت وماتت .. يا بلاد كانت أملنا وفي يوم صحيت ما بانت» جملة مكتوبة على جدار داخل صورة وضعها «أحمد عبد العظيم» على غلاف حسابه على «الفيسبوك» قبل أن يتوفاه الله بأيام بسبب تجمده فوق جبال سانت كاترين.. رحل الشاب العشريني عد أن قرر هو وثمانية من أصدقائه تلبية نداءات وزير السياحة طوال الفترة الماضية للمصريين في جميع وسائل الإعلام بعمل سياحة داخلية تساعد في ترويج عودة الأمن والإستقرار مما يؤدي إلى توافد السياح الأجانب إلى مصر.. كبادره من المصريين في مساعدة بلدهم، ولم يكن يدركون أن الثمن هو حياتهم.. بعد أن قادهم القدر إلى هناك لفاجأوا بعاصفة ثلجية غيرت الواقع السحري فوق الجمبل إلى فخ جماعي وقع فيه الحالمون بالصعود إلى قمة جبل «باب الدنيا» مجمدون لأيام فوق قمته ليخرجوا من باب الدنيا إلى الأخرة فجأة .. وهذا لينكشف الواقع المرير والفشل والإهمال للقائمون على السياحة في مصر، حيث أن منطقة سياحية فريدة في العالم كهذه ليست مؤمنة ضد غضب الطبيعة على زوارها.. فلا أجهزة إستطلاع ولا أجهزة إنقاذ ولا أدنى معدلات السلامة والأمان موجودة في أهم بقاع الدنيا سياحياً وتاريخياً.. حيث أن من أبسط معدلات السلامة هي دراسة الحالة الجوية المتوقعة خلال اليومين القادمين وعليها يسمح أو يمنع التسلق، لتكون النتيجة أن تقتل البلد من أرادوا يوماً مساعدتها في محنتها. «هم جنسيتهم إيه» قبل أي رحلة سياحية في مصر يجب أن تكون بموافقة من شرطة السياحة عن خط سير الرحلة من مدينة قيام الرحلة إلى المدينة التي سوف تصل إليها والطرق التي سوف تسلكها الرحلة وهذا ما تم فعله مع الرحلة المُشار إليها، أما في حال صعود الجبال في سانت كاترين يجب أن يكون بعلم مكتب المخابرات الحربية والتي بدورها قد قامت بتخصيص مكانين يذهب المنظمون إليها ببطاقات وجوازات سفر الصاعدين إلى الجبل للحصول على صورة ضوئية منها وتخصيص دليل من البدو المقيمين بالمنطقة وهذا أيضاً ما تم بالفعل.. فعندما فُقد الإتصال بالشباب يوم السبت الماضي لساعات حاول عدد من الأصدقاء المقربين منهم الإتصال بجهات عدة من الممكن أن تكون معنية بالإنقاذ في مثل هذه الحالات.. أحدهم إتصل بأحد شركات الطيران الخاصة وأبدى لهم إستعداد تام بتحمل أي تكاليف في سبيل إنقاذهم؛ فكانت الإجابة السريعة «أسف يا فندم، تصريح صعود طائرة خاصة يحتاج لعشرة أيام للحصول على موافقة السلطات».. وعلى جانب أخر إتصل صديق أخر بشرطة السياحة فأبدوا لهم الإستعداد التام الفوري، ثم طلب من الصديق المتصل أن يعطيه بعض البيانات الخاصة بالمفقودين «العدد كام يافندم» فأخبره أنهم ثمانية ثم سأله السؤال المشؤوم «هم جنسيتهم إيه» فللأسف أجاب بأنهم جميعاً مصريون.. فقال له وهو متأثر كما بدا للصديق المتصل «أسف جداً جداً يافندم.. الموضوع هياخد وقت.. لأن المفقودين مش أجانب». من هنا فطن الصديق الثالث أن أصدقائهم يجب أن يكونوا غير مصريين كي تتحرك الطائرة؛ ومن هنا إتصل بحرس الحدود وأبلغهم أن له أصدقاء أمريكيوا الجنسية فقدوا فوق جبل سانت كاترين منذ يومين فتحركت الطائرة بالفعل يوم الإثنين صباحاً أي بعد يومين من المكالمة فقدانهم وهذا ما جعل المتحدث العسكري للقوات المسلحة يصدر بياناً ذكر فيه أن قوات حرس الحدود نجحت في إنقاذ أربعة «أجانب» وثلاث جثث كانو من بين ثمانية «أجانب» مفقودين فوق جبل سانت كاترين وجاري البحث عن المقود الأخير. «الدولة العجوز تأكل صغارها» تغريدة على موقع التواصل الإجتماعي «تويتر» كان قد كتبها «محمد رمضان» المفقود الأخير قبل أيام من وفاته متجمداً فوق جبال سانت كاترين.. فهو ورفاقة الثمانية كانوا قد شكلوا فريقاً وهب نفسه لمساعدة الفقراء والمطحونين في هذا البلد.. حيث قد بدأوا بشراء أعداد كبيرة من البطاطين وحملوها على أكتافهم ووزعوها على الفقراء بأيديهم في قرى ونجوع مصر جراء الموجة الشديدة البرودة التي كانت قد أصابت مصر قبل أسابيع.. لتستمر بلد العجائب في عجائبها ويكون مصير من إستطاع أن يحمي مئات المصريون من البرد الشديد.. أن يموت تائهاً لأيام في جبل الجليد. «إعمل نفسك ميت» مجموعة من وجوه الفضائيات الرخيصة وضيفهم المريضة قرروا أن يدافعوا عن الفشل والإهمال والضياع الذي نعيشة ونشروا فيدوهات لمفقودين في دول أجنبية ليبرهنوا بذلك أن ما حدث هو أمر عادي يحدث في كل دول العالم.. متجاهلين أن هناك فرق بين الذين حاولوا الإنقاذ من اللحظة الأولى بشتى الطرق الممكنة وبين من أصابتهم الرعونة لأن هؤلاء ليسوا أجانب.. وهؤلاء أيضاً هم نفس الوجوه التي تدافع عن إنتهاكات وتعذيب الشرطة وتجاوزاتها بفيديوهات من دول أخرى ليوهموا أنفسهم قبل غيرهم بأن هذا هو أمر عادي وطبيعي في كل دول العالم.. وكأنهم فقدوا إنسانيتهم لدرجة إنعدام الشعور والإحساس بالخطأ. تنويه هام: إذا كان تحرك الجيش بأكمله لإنفاذ هؤلاء من اللحظة الأولى؛ لما أنقذهم لأن هذا هو قدرهم وأجلهم وموعدهم .. لكن المهم هو أنه تحرك.