الوطن - السعودية المؤسف حقا، أن الكثير ممن يطلبون الشهرة أو ممن يحاولون الحفاظ عليها، يلجؤون إلى الاستفزاز وإطلاق العبارات والتصريحات تحت مظلة حرية الرأي، يخترقون عش الدبابير بكل وقاحة، وحين يُهاجمون، يعترضون ويبدؤون بنشر وبث كل رسائل الكراهية التي تصلهم؛ كي يتجمع القوم حولهم للمواساة أو التعزيز أو بالرد على نفس نمط مهاجميهم من عبارات إسفاف أو تشهير أو تعصب وتطرف، وهنا بالطبع لا تجد اعتراضا منها بل صمتا مطبقا! ومن جهة أخرى، هنالك من يختار توقيت أحداث هامة على الساحة الإقليمية والعالمية تمس أمتنا، ويشعل قضية تأخذ الناس في طريق آخر.. ولكنه بنفس سمات النوع الأول؛ حروب كلامية، قذف، تشهير، تذمر، عداء وإقصاء وتكفير! كم فردا منا وقع في هذا الفخ؟ ولكن حين تكرر، وقفنا وتساءلنا: ما الذي يجري هنا؟! من أين خرجت إلينا هذه الشخصيات التي تحب أن تَكره وتسعى إلى أن تُكره، وتشاغلنا إلى أن نجاريها ونكره؟! كل فرد منا يرسم دائرة يسميها "الحياة"، وتحديدا حياته، يدخل فيها كل ما هو يلامس وعيه، كل ما يتفق مع سلوكياته وقيمه وعباداته، كل ما يهواه قلبه ويحرك مشاعره.. ومن يبقى خارج الدائرة يصنف مختلفا؛ في الرؤى السياسية أو الاجتماعية، في المذهب، في العقيدة، في التقاليد، وكل من تسبب في أذيتنا، كل من وقف في طريقنا، كل من لا يتفق أو لا يحب من نحب أو يُعدّ من قبل من نحب على أنه العدو.. ومع مرور الأيام نجد أن الدائرة تصغر وأعداد من هم خارجها تكبر! المشكلة أننا ما إن نضع أي فرد خارج الدائرة لا شعوريا نبدأ بسلب إنسانية أو التقليل من شأن هذه أو تلك الشخصية، إلى درجة أننا قد نتقبل أو نبرر لأنفسنا ما قد تتلاقاه منا أو ممن نحب من معاملة سيئة... هل فكرنا كم مرة في النهار نصنف فردا ما من خلال أي شكل من أشكال التواصل، بأنه "ليس مثلي"؟ لباسه، شكله، فكره، أسلوبه، خلفيته..إلخ، هل لاحظنا ما يفعله عقلنا بهذه المعلومات؟ وكيف أن الأوامر تصدر لتؤثر بالتالي على سلوكياتنا نحوه؟ وبدلا من أن نركز، وهو المفروض والأصل في التعامل، على نقاط التشابه والالتقاء، نبدأ بالتركيز على نقاط الاختلاف، وبدلا من البحث عما يجعلنا "نحن"، نبحث أكثر عما يميزني "أنا" عن "هو"! إن بداخل كل منا ذئبين، حسب القصة القديمة؛ ذئب المحبة وذئب الكراهية، وما يصدر منا من سلوكيات يعتمد على أي منهما نغذي... لأقرب المعنى راقب نفسك حين تتابع أحداث فيلم أو تمثلية حيث يقتل البطل عدوه، الذي جعلنا المخرج نكرهه منذ بداية الرواية، راقب الراحة النفسية التي تشعر بها وأنت تراه يقتل، ليس مهما كيف يقتل أو كيف يتم الانتقام؛ بطريقة وحشية أو همجية، لا يهم أن ينتهي في نهاية الرواية فقيرا معدما أو تصيبه كارثة، المهم أن ذئب الكراهية بداخلنا قد تحصل على غذائه! راقب نفسك وأنت تقرأ أو تشاهد الأخبار وتتابع انتصارات هذه الفرقة أو انهزام تلك.. والناتج أن القتلى من الجهتين هم "منا" ولكن، بما أننا قررنا أن فرقة "منا" والأخرى لا، أصبحنا نبتهج ونقدم المزيد من الغذاء لراعي الكراهية بدواخلنا! وهنا ما أريد أن أصل إليه، إننا نسمح لمن يريد أن يصعد على أكتافنا أو يشتت انتباهنا، بأن يستخدمنا، فهم يعرفوننا، وربما أكثر من أنفسنا، وهم أذكياء لدرجة يعرفون متى وكيف يحركون ذئاب الكراهية فينا.. فنهاجم بعضنا البعض ويحققون هم أهدافهم! لا يمكننا القضاء على ذئب الكراهية بداخلنا، فمجرد عملية الملاحقة للقضاء عليه نكون نغذيه بما أننا كرهناه ولا نريده، ولكن العلاج يكون بأن نعترف لأنفسنا بأنه جزء منا.. أما حجمه فهو عائد إلينا.. كيف نبدأ بملاحظة أفكارنا عن كل آخر من أقرب قريب إلى أبعد بعيد.. من الجار إلى غريب الدار، لنعود أنفسنا على الخروج من الكادر، وملاحظة ما يجري من حولنا، وما تأثيره على غيرنا، ثم لنحدد أي ذئب أطلق؟ ومن أطلقه؟ ومتى؟.. ربما لو ركزنا قليلا سنتوصل إلى لماذا؟ ومتى عرفنا لماذا نكون قد بدأنا بمعرفة كيف نحمي أنفسنا من أن ننجر خلف طوفان الكراهية. لا تستطيع أن تغير أخلاق كل البشر، ولا تستطيع أن توقف أمواج الكراهية إن هي تحركت بين الناس، وبالطبع لن تخلو الساحة ممن يفضل الصعود أو البقاء على رأس الهرم.. على رقاب المجاميع، ولكن بكل تأكيد يمكنك أن تعمل على ألا تكون أداة أو حطبا! ما يحصل اليوم تم بناؤه على مدى سنوات، ونحتاج سنوات كي نعيد المحبة التي كانت يوما بين الناس.. أن نعيد أياما كانت الدائرة تتسع مع أيام عمرنا ولا تنقص.. ولكن ما زال هنالك أمل، إن تسلحنا بالإيمان والإرادة.. هنالك أمل إن بدأنا بأنفسنا، وحاسبناها بكل صدق وشفافية، وبوعي تام بما يجري ليس فقط بداخلنا بل من حولنا، ثم ساعدنا كل آخر، نستطيع أن نوصل إليه صوتنا، على أن يرى الصور من خارج الكادر... قد نسهم في تنبيه الكثير ونسهم بإذن الله تعالى من تخفيف حدة أمواج شئنا أم أبينا قادمة!