الاقتصادية - السعودية سعدت بتفاعل العديد من القراء والمتابعين والأصدقاء مع مقالي الذي نُشر الأسبوع الماضي "هل يمكن تصنيف (ساهر) كأفضل مشروع في البلد؟"، وكان التفاعل يراوح بين التهمة والنقد والثناء والاقتراح والتساؤل، وسأعرج على أهم ما قد يحدث تغييراً إيجابياً ويصلح من الحال. يرى البعض أن المخالفة بالمبالغ الحالية مناسبة، بل يرى آخرون زيادتها! وكأنهم يرون مداخليهم التي بالآلاف ولا يرون مداخيل غيرهم الذين يبحثون عن عمل ولا يجدون، أو يقتاتون من الضمان الاجتماعي، أو بالكاد تكفيهم رواتبهم حتى منتصف الشهر، وأقول هنا رفقاً بالضعفاء والمساكين، علماً بأن أقل الدراسات تفترض أن 50 في المائة من الموظفين المواطنين على الأقل تقل رواتبهم عن ثمانية آلاف ريال. من المقترحات الجميلة التي وصلتني من القراء، مقترح جميل يقترح ربط مخالفات ساهر بالسجل الوظيفي للموظف، بل بالتقييم السنوي والترقيات، وبالتالي هو مؤشر للانضباط العام للموظف خارج العمل، ومقترح آخر فاعل بأن يتم صرف فوائد "ساهر" للجمعيات الخيرية، ومقترح ثالث مهم أيضاً وهو أن يتم تطبيق "ساهر" على المركبات التي تقف في الأماكن الخطأ والتي تمارس هواية اللف عند الإشارات من أقصى اليمين لأقصى اليسار والعكس. ومن أطرف المقترحات التي وصلتني: أن تكون المخالفة سبعة ريالات وتزيد نصف ريال على كل مخالفة، وأن تكون السرعة حسب السيارة، فعلى سبيل المثال تكون مخالفة الفيراري عند تجاوزها سرعة 180 كيلومترا، بينما تكون مخالفة الونيت عند تجاوزها 60 كيلو مترا، وأن تكون الكاميرا على شكل مجسمات طيور فوق الشجر! كما وصلتني معارضة على تحول "ساهر" إلى شركة مساهمة بحجة أن تحويله إلى شركة مساهمة سيسهم أكثر في النظر إلى المشروع كمشروع ربحي، وينسى الأهم وهو السلامة، رد على هذه المعارضة صوت آخر، حيث اقترح أن تكون الشركة مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، فإذا ما استقرت قواعد الشركة ومهنيتها، يمكن أن يتم طرحها للعامة للاكتتاب العام، فمثلها مثل المستشفيات تعمل في مجال أهم من المرور وجل همها حياة الإنسان، لكنها أيضاً تحقق ربحيتها. معارضة ثانية بأن توحيد السرعة وفق عرض الشارع خطأ، حيث إن الشوارع تختلف من حيث وجود مدارس أو مستشفيات أو من حيث مداخل ومخارج الطريق، وأوافقه على اعتراضه. كثير من التساؤلات والمطالبات حول "ساهر"؛ أولها أن يتم نشر إحصاءات دورية في شكل شهري حول عدد ونسب الحوادث ومقارنتها بالأعوام السابقة، وكذلك مقارنتها بالدول الأخرى، وقياس مدى التحسن في فئة كل مجموعة حوادث (تصادم، دهس، وفاة، إصابات.. إلخ) لمعرفة الفائدة الحقيقية من وراء "ساهر" ومساهمته الفعلية في تخفيض الحوادث، ثانيها الإفصاح عن مداخيل "ساهر" الشهرية واليومية مقسمة حسب المدن وحسب تفاصيل المخالفات، ومعدل المخالفات على كل سائق وكل سيارة، ثم الأهم كيفية تقسيمها بين الدولة والشريك من القطاع الخاص، وأين مصير هذه المداخيل؟ ثالث هذه التساؤلات كان حول شروط وأحكام الاتفاقية التي لا يعرفها الجمهور وأهمية نشرها للجمهور بكل شفافية، ومن خلال معرفة نموذج العمل وروح الاتفاقية سيعرف الجمهور، هل يمكن الوصول إلى الهدف المطلوب وهو تخفيض الحوادث أم لا؟ وكيف يتم قياس نجاح "ساهر" في تحقيق أهدافه؟ وهل هناك معايير يتم قياسها ليقال إن "ساهر" نظام ناجح أم أنه غير ذلك؟! كما أن هناك تساؤلاً كبيراً وصلني من العديد من القراء والأصدقاء حول فاعلية جهاز المرور في تنظيم المرور، فإذا كانت مراقبة إشارات المرور والسرعة تتم عن طريق "ساهر"، وإذا كانت الحوادث بنسبة غالبة تتم عن طريق "نجم"؛ فماذا يفعل جهاز المرور؟! فالجمهور يرى بنفسه سوء إدارة المركبات والشوارع مرورياً، خاصة عند الوقوف في الطرقات، وعند انحراف السيارات عند الإشارات، وعند مخالفات تعليمات الطرق، وإشارات الطريق! عندما نسهب في الحديث عن "ساهر" لا نتحدث حول نظام أو آلية فقط، بل هو حديث عن أرواح أغلى من الأرباح، وهو في مجمله حديث عن المرور، والمرور عموده الرئيس هو السائق، الذي نوليه في بلادنا أقل اهتمام وأولوية ابتداء من تعليمه ثم ترخيصه وتدريبه وعقوباته.. إلخ. لذلك فإني أقترح على أصحاب القرار أن يتم الاهتمام بالسائق، ويبدأ هذا الاهتمام في سنوات المراهقة في المدرسة بتعليم المراهقين آداب المرور والقيادة وتعليماتها وأنظمتها وإشاراتها، كما هو معمول به في كثير من الدول، أو في مدارس قيادة متخصصة وجادة ومحترفة، ثم يتبع التعليم صرامة في اختبار منح الرخصة لا يتجاوزه إلا سائق محترف، وبعد منحها يبدأ السجل المروري للسائق الذي بموجبه تتزايد قيمة المخالفات وقد تسحب الرخصة وقد يمنع من القيادة نهائياً.. إلخ. القصة لا تنتهي هنا؛ حيث قد يستدعي الأمر إعادة اختبار القيادة للسائق كل فترة للتحقق من قدرته على القيادة الصحيحة ومعرفته بالأنظمة والعلامات المرورية، وأكاد أجزم بأن اختبارات الرخصة التي تجري على السائقين في أمريكا مثلاً لو طُبقت على سائقينا لما نجح منهم 10 في المائة، واسألوا طلابنا المبتعثين في كل مكان عن معاناتهم لتجاوز اختبارات القيادة في تلك البلاد . ختاماً.. أؤكد كما ذكرت في أكثر من مناسبة؛ أن الاعتراض ليس على كبح جماح السرعة والمخالفين، لكنه حول التطبيق وآليات التطبيق، وكلنا أمل في صناعة سائقين ماهرين يتحلون بثقافة مرورية عالية معرفة وتطبيقاً، فتكون تطبيقات النظام فطرة فيهم، وليس أن تكون مخالفة النظام مهارة لهم.