مشعل السديري عكاظ-السعودية بالأمس تحدثت عن سجني الاختياري (لنفسي بنفسي)، وخرجت منه بتجربة مرعبة، واكتشفت أنني كعصفور (الدّخل) الذي لو وضع في قفص يموت من شدة تخبيطه بجسمه الضئيل على القضبان. واستكمالاً لهذا الموضوع غير الشيق أقول: لو أنه قيض لي يوماً أن أساق مرغماً إلى أحد السجون فإنني أتمنى أن أسجن في جزيرة (بالاوان) بالفلبين، وتحديداً بالسجن المسمى: (مستعمرة أيواهيغ التأديبية)، حيث لا قضبان ولا أسوار، وإنما حقول وشواطئ ممتدة. ويحق للمذنب فيه أن يجلب معه عائلته لو أراد، وهناك برامج إصلاحية تستهدف تنمية روح التعاون والتآلف بين المحكومين، ولكل واحد منهم حق الاختيار بين زراعة الأناناس والذرة وجوز الهند والموز وقصب السكر، أو تربية الدواجن والمواشي لو رغب، أو صيد الأسماك، أو التدرب على المهن سواء النجارة أو الحدادة أو الكهرباء أو بناء المنازل. وليس هناك حراس والمشرف عليهم هو واحد منهم، وكل إنتاجهم يبيعونه ويكسبون منه، وفوق ذلك تدفع لهم الحكومة راتباً معلوماً في كل شهر - يعني (حبس حشمة) . وفي المستعمرة برامج ترفيهية تتراوح من الملاعب الرياضية، إلى السينما، إلى قاعات الموسيقى والرقص، إلى ملاهي أطفال السجناء. ويحق لكل واحد منهم أن يواصل دراسته إذا شاء ابتداءً من الصفوف الابتدائية إلى آخر مراحل الدراسة الجامعية. والغريب أن هناك الكثير من الناس الذين لم يقترفوا أي ذنب أو جريمة طلبوا الالتحاق بهذا السجن في تلك الجزيرة، وأيضاً الكثير من السياح طلبوا زيارتها، غير أن السلطات رفضت ذلك بحجة أنها لا تريد أن تعكر وتكدر على المساجين حياتهم وبرامجهم. والأغرب من ذلك أيضاً أن الغالبية العظمى ممن انتهت محكوميتهم رفضوا مغادرة ذلك السجن، غير أن السلطات أرغمتهم على ذلك، وكل من خرج من عتاة المجرمين سابقاً، أثبت بعد المراقبة له أنه عاد من أصلح المواطنين سلوكاً وأخلاقاً وعطاءً. ويعلق مدير المستعمرة (ألفريد وبوني) قائلاً: «إن مستعمرة أيواهيغ دليل حي على الطبيعة الخيرة في نفس كل إنسان، ولو كان من المذنبين». وهذا هو الأساس الذي قامت عليه فكرة هذا السجن أو المستعمرة التأديبية: إصلاح المذنب، لا بتعذيبه، ولا بالانتقام منه، وإنما بالتوسل إلى نوازع الخير في نفسه، وإبرازها وتأكيدها حتى تبز نوازع الشر وتغلبها. وختاماً فلو أنني اقترفت جريمة قتل مثلاً، فهذا هو السجن الذي أتمنى أن أقضي محكوميتي وبقية حياتي فيه. رابط الجزء الأول من المقال: http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20131229/Con20131229665444.htm