الشرق-السعودية منذ السبعينيات من القرن الماضي والحركة الديموقراطية تشهد ازدهاراً كبيراً حول العالم، فبعد أن كانت مقتصرة على الدول الغربية انطلقت لتعم القارات الخمس ولتتبناها ثلاثة أخماس دول العالم، ففي كل منطقة من مناطق العالم هناك دول مركزية تحولت للديموقراطية ونشرت العدوى بين جيرانها باستثناء منطقة واحدة ظلت لعقود عصية على أي تحول ديموقراطي حقيقي، وظلت دولها كتلة مصمتة ومقاومة لأي حركة ديموقراطية شعبية، تلك هي منطقة دول العالم العربي. لا يوجد في دول العالم العربي تجربة ديموقراطية حقيقية، لا يوجد رغم الثورات والاحتجاجات أي بشائر بقطاف ثمرة ديموقراطية قريبة، ترى لماذا؟ هل يكمن السر في البعد الديني الإسلامي لتلك الدول؟ هل الإسلام كدين وممارسة يحول دون تطبيق الديموقراطية؟ قد تبدو الإجابة بنعم مغرية ومريحة لكن الواقع يقول خلاف ذلك، فهناك دول إسلامية غير عربية كثيرة نجحت في التحول للديموقراطية كإندونيسيا وماليزيا وتركيا وبنجلادش والسنغال وغيرها. مما يحيّد الإسلام كعائق لهذا التحول. هل ثقافة العرب وموروثهم القبلي وتاريخهم الحافل بالقتال والاستبداد يمنعهم من قبول الديموقراطية؟ الإجابة أيضاً بلا، فحسب دراسات مُحكمة عن تقبل العرب للديموقراطية لم يكن العرب أقل ترحيباً بها من أي شعب آخر، كما أن نسبة الإقبال على الانتخابات الشحيحة في البلدان العربية دائما ما تسجل أرقاماً مرتفعة متى ما شعر المواطنون أنها سبيلهم للتغيير. أين يكمن السر إذن؟ يحاول «لاري دايموند» في دراسة طويلة نشرتها مجلة الديموقراطية أن يجيب على هذا السؤال، ويقدم تفسيراً جذاباً ومبتكراً للمعضلة. فهو يري أن السبب الحقيقي في تأخر العرب ديموقراطياً اقتصادي بالدرجة الأولى وليس ثقافياً، ولكن كيف يكون اقتصادياً والدول العربية متفاوتة بين الفقر والغنى وفيها دول ذات مدخول هائل ودول ذات ديون باهظة؟ يبرر دايموند نظريته بفكرة أن المشكلة ليست في كمية الدخل المادي ولكن في الهيكلة الاقتصادية للدول، فالدول ذات الدخل المرتفع تترفع عن فرض ضرائب على الشعب وتنفق بسخاء على برامج التوظيف والعقود الحكومية وبالتالي تصبح مع الوقت بيروقراطية وشديدة المركزية وتصبح الشعوب أقل رغبة في المطالبة بالديموقراطية. أما الدول الفقيرة فإنها تكرر ذات السيناريو لكن عبر استغلال المساعدات الخارجية في الإنفاق على أجهزة الأمن والداخلية واستئناس وسائل الإعلام فتقوم تلك المساعدات المليارية بذات الدور الذي تلعبه مداخيل الدول الغنية. ويلعب الصراع العربي الإسرائيلي دور المسكن الفعال في صرف نظر الشعوب الساخطة عن أي تخلف وفساد وتحوله تجاه الخارج الإسرائيلي كما كانت العبارة الشهيرة تقول «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» تلك المعركة التي لا يراد لها أن تنتهي أبداً. يذكرنا دايموند بالمبدأ الشهير الذي يربط السياسة بالاقتصاد «لا ضرائب دون تمثيل» لكنه يضيف بأن العكس صحيح كذلك «لا تمثيل دون ضرائب» واقع سياسي لا يمكن إنكاره!