يثير اهتمام الولاياتالمتحدة بالدولة الفلسطينية، وكذلك رد الفعل الإسرائيلي طرح قبول مبدئي ومشوش لدولة فلسطينية، تساؤلات حول هذا الحراك ومغزاه، أليس من العجيب أن يكون هذا الوقت مناسباً لهذا الحراك؟ لكن الغوص في هذه القضية قد يكشف عن أن هذه هي اللحظة الحاسمة لإسرائيل، لأنها لو فاتت فلن تكون هناك دولة اسمها إسرائيل في المستقبل، فالتشاؤم الذي تعاني منه هذه الدولة مصدره الانفجار السكاني العربي داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة، فاحتمالات تجاوز عدد السكان العرب من نهر الأردن إلى البحر المتوسط عدد السكان اليهود بات أقرب مما يتصوره الكثيرون، فعدد اليهود حالياً 5.4 مليون نسمة مقابل 5.5 مليون عربي، ما يحقق للعرب أكثرية ضعيفة، بينما سيكون عدد اليهود سنة 2020 حوالى 6.4 مليون في مقابل 8.5 مليون عربي. وعلى إسرائيل أن تختار إما العيش في ظل وجود دولة فلسطينية مستقلة، أو أن تنتظر لأن يصبح اليهود أقلية داخل «وطنهم» والواقع يحث إسرائيل على ضرورة التكيف مع تلك الحقيقة. على المدى البعيد سيصب حل الدولتين في مصلحة اليهود على حساب العرب، بينما حل الدولة الواحدة سيحل نهائياً الصراع العربي - الإسرائيلي في ظل دولة ديموقراطية، هذا ما يفسر الطرح الإسرائيلي الملح ليهودية الدولة، في ظل رغبة متزايدة لدى الأجيال الجديدة في إسرائيل بالهجرة إلى الولاياتالمتحدة خصوصاً، في الوقت الذي تخوض فيه إسرائيل حروباً متصلة لم يعد لدى هذا الجيل رغبة جيل الآباء المؤسس لخوضها. إن المصلحة الفلسطينية العليا، وكذلك المصلحة العربية تقتضي الآن، التفاوض على دولة واحدة من النهر إلى البحر، مع حقوق مواطنة متساوية، وكذلك حقوق متساوية في القدس، بما يضمن حل كبرى معضلات المنطقة العربية والتي أعاقت لسنوات عديدة التضامن العربي، وظلت هي النقطة المحورية في الخلافات العربية - العربية. السؤال المطروح الآن: هل يقبل الفلسطينيون ذلك؟ هل سيقبل العرب؟ هل سيقبل المسلمون؟ كلها تساؤلات تنبهنا إلى الحاجز الذي تحدث عنه الرئيس المصري الراحل أنور السادات أمام الكنيست عند زيارته الشهيرة للقدس. ووجدنا بعد ذلك أن السادات نجح في إزالة هذا الحاجز على المستوى الرسمي، لكن على مستوى الشعب المصري لم تتم إزالته، كذلك هذا ما نتوقع أن يحدث مع شعوب العالم الإسلامي. إن مسألة تحويل إسرائيل إلى دولة يمثل فيها العرب غالبية سكانها هي مسألة تستحق النقاش والتأمل، وأخذها على محمل الجدية، فمرحلة الدولتين انتهت، ولكي يتحقق هذا لابد من تعزيز الوجود العربي في هذه الدولة، أضف إلى ذلك طرح حق العودة كأداة ضغط مستمرة تربك الجانب الإسرائيلي. وفي المقابل هناك الكثير من التساؤلات الصعبة في الداخل الإسرائيلي: هل تقبل إسرائيل التعامل مع «حماس» بصورة مباشرة ؟ ما هو الأمن الحقيقي لدولة إسرائيل؟ ما هي طبيعة السلام الذي يحقق مصالح إسرائيل؟ هل ستظل إسرائيل تؤدي وظيفتها كدولة فاصلة بين الدول العربية ومهددة للأمن العربي ومثيرة للخلافات وحائلة دون قيام كيان عربي يوازي الكيانات الغربية الكبرى كالاتحاد الأوروبي مثلاً؟ والإجابة عن تلك التساؤلات - وفقاً للمعطيات الراهنة - تؤكد أن الغرب يدفع في اتجاه حل الدولتين حفاظاً على هذه الدولة الوظيفية التي يحقق وجودها مكاسب مهمة له وبخاصة للولايات المتحدة الأميركية. وفي كل الأحوال فإن التحول السكاني يؤكد حقيقة واضحة للعيان ألا وهي أن الوضع بالنسبة إلى إسرائيل لن يكون جيداً على المدى الطويل. * كاتب مصري.