مع نهاية عام 2010، نجحت كوريا في الوصول إلى ناتج قومي بلغ 900 مليار دولار، أي أكبر من الناتج القومي لكل الدول العربية مجتمعة في العام نفسه. وقد بلغ معدل نمو الناتج القومي الكوري من عام 1960 إلى 2010، 1500 في المائة، وقد فاق النمو الكوري كل جيرانها الآسيويين. ويعزو معظم المحللين هذه المعجزة الاقتصادية إلى أمور عدة، أهمها اعتماد الحكومة الكورية في خططها الاقتصادية على تنمية القطاع الخاص والخصخصة، إضافة إلى تخصيص ميزانيات ضخمة للتعليم والبحث العلمي آتت أكلها ووضعت كوريا في المرتبة 15 بين أكبر اقتصاديات العالم، وقد فتحت هذه السياسة أسواق العالم للمنتجات الكورية، فتحولت شركات مثل "سامسونج" و"إل جي" من شركات مواد تجميل ومواد طبية إلى شركات عملاقة، تمتد أنشطتها لمعظم الصناعات، كما نمت مجموعة "هونداي" من كونها شركة سيارات مغمورة، إلى شركة عالمية الأنشطة والتي امتدت إلى الصناعات النفطية المختلفة. المؤرخون يحيلون هذا النمو المعجزة إلى النسق التاريخي لكوريا، فقد تعود الكوريون على مواجهة الحروب ومقاومتها، ويقول أحد المؤرخين إنه من النادر أن يتمتع شعب عانى ما عاناه الكوريون بهذا الأمل والإصرار على النهوض بعد كل حرب أو ثورة، فلم تقتصر الحروب على النزاعات الداخلية، بل عانت كوريا من جيرانها الأمرين، ومن التدخلات الأجنبية، فقد كانت كوريا ساحة صراع بين الولاياتالمتحدة من جهة، والاتحاد السوفياتي والصين من جهة أخرى، حتى أدت هذه الصراعات إلى انقسام كوريا إلى دولتين شمالا وجنوبا، وبالنتيجة، رزحت كوريا الشمالية تحت حكم الشيوعيين، وتحالفت الجنوبية مع الولاياتالمتحدة. وقد حذت كوريا حذو اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، فقد استفادت من تحالفها مع الولاياتالمتحدة في وضع أرضية دستورية صلبة، أتاحت لهم مساحة واسعة من الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على الرغم من التوتر الدائم بينها وبين جارتها الشمالية، وقد أدى هذا التوتر إلى حشد أكثر من مليون جندي على جانبي الدولتين. كل هذا لم يثن كوريا عن تحقيق المعجزة بنمو في متوسط دخل الفرد من 155 دولارا في عام 1960، إلى 22,500 دولار في عام 2010. وقد تحقق هذا النمو دون أي موارد طبيعية، بل بالاعتماد على التجارة الخارجية فقط. معجزة على نهر هان، هكذا يسمي علماء الاقتصاد نهضة كوريا. أسس لهذه المعجزة إرادة صلبة وطموحة، ونظام ديمقراطي بين دول كان معظمها يقاد من أنظمة دكتاتورية، وأرضية قانونية نظمت العلاقة بين السوق والمجتمع من جهة، والحكومة من جهة أخرى.