استكمالاً لمقال الأمس عن الأنظمة القضائية الثلاثة (المرافعات الشرعية، والإجراءات الجزائية، والمرافعات أمام ديوان المظالم)، والتي صدرت بها مراسيم ملكية قبل حوالي شهر، وعُدت مما يُحتفى به أتم الاحتفاء لما تمثله من نقلة تطويرية هائلة في ميدان القضاء بصفته ركناً مكيناً من أركان الدولة المدنية قديماً وحديثاً. لقد أكدّت هذه الأنظمة (حق الدفاع للمتقاضين بوصفه حقاً أصيلاً تجب مراعاته والمحافظة عليه، ولا سيما بالنسبة لنظام الإجراءات الجزائية الذي لم يقتصر على إقرار حق المتهم في الاستعانة بوكيل أو محامٍ للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة، بل إنه ارتقى في تطبيق معايير المحاكمة العادلة إلى أن جعل لكل من ليست لديه مقدرة مالية، الحق في أن يطلب من المحكمة انتداب محامٍ للدفاع عنه على نفقة الدولة. وكذلك التأكيد على ضرورة معاملة المتهم بما يحفظ كرامته، وحظر إيذائه أو معاملته معاملة مهينة، مع إيجاب إخباره بأسباب توقيفه وحفظ حقه في الاتصال بمن يرى إبلاغه، كما ألزم نظام الإجراءات الجزائية الجديد كذلك بتعريف المتهم بحقوقه الأساسية، وجعل للموقوف احتياطيًا حق التظلم من أمر توقيفه.) وأما نظام المرافعات الشرعية، فقد أوجد طريقاً مختصرة للحد من المماطلة في أداء الحقوق وتعويض المتضرر، فأوكل للمحكمة التي أصدرت الحكم نظر دعوى التعويض عن الأضرار الناتجة من المماطلة في أداء الحقوق محل الدعوى. أداء الحقوق يا سادة هو مناط العدل، والتأكد من استيفاء كل متقاض حقه الأصيل في المدافعة والمرافعة وعرض البينات وردها، وكذلك الاستعانة بأصحاب الخبرة من المحامين المهنيين. وذلكم هو مبدأ تكافؤ الفرص بين الطرفين، وحتى لا يكون مبدأ الاستعانة بمحام حكراً على ذوي الجاه واليسار. كل هذه الأسس لبنات مهمة في الخريطة العدلية المتكاملة. بقي السؤال الأهم: متى يكتمل عود هذه الأنظمة، ويجري تطبيقها بسلاسة ويسر، دون التعرض لعقبات نقص القضاة مثلاً أو ضعف تدريبهم، أو قلة عدد المحامين المؤهلين الذين ستستعين بهم الدولة لخدمة من لا يملك القدرة المالية على توفير محامٍ يدفع عنه ضعفه أو جهله؟ وبقي الحديث غداً عن تعزيز مكانة المرأة عند التقاضي!