المصري اليوم- القاهرة الظلم وينتفش الإفك ويحتكر الكلام باسم الناس وهم منه براء، يوهم المساكين أن الأرض قد دانت له، بينما هو خائف يرتعد لأنه يعرف ماذا فعل وما مصيره، ينتفض الأحرار رافضين بناء الأصنام وعبادتها فيسرع إليهم من ارتضوا عبادة الأوثان وأنصاف الآلهة لينهشوا فيهم ويقولوا: ويلكم ما بالكم بإلهنا، إنه يصيب ولا يخطئ ويعلو ولا يُعلى عليه، وتصيبهم حمى السامرى بعد أن صنع العجل لقوم موسى فيهتفون لا مساس لا مساس! الناس أصناف ثلاثة، الأول يأبى العبودية إلا لخالقه ولا يرضى بغير الحرية والكرامة الكاملة، والثانى يتحرر حيناً من عبودية البشر ويسقط حيناً راكعاً مع الراكعين، أما الصنف الثالث فهو المتلذذ بعبودية الناس دون رب الناس، وإذا لم يجد صنما يعبده صنع لنفسه صنماً لترتاح نفسه، لا تعنيه أحاسيس الكرامة، فهو لا يعرفها ويعشق ضربات السوط ويشجيه صوتها، لأنه يعتقد أن الحياة لابد أن تكون هكذا، مسكين ضل السبيل، ولكن الأيام تثبت أن العبيد ينفرون من الحرية ويشتاقون للذل والهوان، حتى إن عبداً أعتقه سيده وأطلق سراحه فوجده عائداً إليه فى المساء قائلا: اشتقت إلى سوطك! تقلب فى صفحات التاريخ فترى أمماً نقضت غزلها أنكاثاً حين تمكن عُباد البشر من هذه الأمم وأقنعوها أن حصولها على الأمان تلزمه العبودية ونبذ الحرية، فلا هى نالت أمنها ولا حصلت على حريتها. خُدام الأصنام البشرية يوجعهم أن يروا مقاتلين يكسرون أصنامهم أمام عيونهم فيتقربوا إلى أسيادهم وآلهتهم بالتربص بهؤلاء والنيل منهم، ولكنهم لا يدرون أن ما يفعلونه يكشف عوراتهم، لأن الناس تدرك حينها الفارق بين العبيد والخدم وبين الأحرار ذوى الهمم. يرتدى هؤلاء الأوغاد ثوباً زائفاً للحكمة والتعقل ويبشرون البسطاء بذهب تمطره السماء وعز يحميه الإباء، ولكنهم يعودون من حيث أتوا يجرون أذيال الشقاء ويشربون كأس الذل مترعاً بالعناء، يسألهم الناس ألم تقولوا لنا نتبعكم لماذا تفرون الآن؟ فلا يسمعون صوتاً لأن الجحور قد أغلقت أبوابها على هؤلاء. يغنى الأحرار مع مشرق كل صباح يخاطبون الخدام والعبيد: لن تمروا، وتردد معهم جنبات الأرض أهازيج العزة وتجدد العهد للضمير. وكان المغنّى يغنّى أو يستجوبونه: لماذا تغنّى؟ يردّ عليهم: لأنّى أغنّى.. وقد فتّشوا صدره فلم يجدوا غير قلبه.. وقد فتّشوا قلبه فلم يجدوا غير شعبه وقد فتّشوا صوته فلم يجدوا غير حزنه.. وقد فتّشوا حزنه فلم يجدوا غير سجنه.. وقد فتّشوا سجنه فلم يجدوا غير أنفسهم فى القيود.. أيّها العابرون على جسدى... لن تمرّوا أنا الأرضُ فى جسدٍ... لن تمرّوا أنا الأرض فى صحوها... لن تمرّوا أنا الأرض.. يا أيّها العابرون على الأرض فى صحوها لن تمرّوا.