المرونة تصنع التحدِّي، والذين يطاردونك ويقفلون الأبواب في وجهك سيتحولون إلى أسباب سخَّرها الله ترسلك إلى الأعمال والأحوال والأماكن الأفضل! ثمَّ أحوال جميلة ورائعة لا نذهب إليها باختيارنا فيُسخِّر الله لنا من يدفعنا إليها دفعاً، إنني مَدين لهذه الفكرة المرنة في عددٍ من الأعمال التي اقتنعت بها وتحمّست لها. المرونة تُسهِّل الاحتفاظ بالعادات وصناعتها. عندما تستيقظ تشرب ماءً عادياً أو فاتراً أو زيت زيتون أو عصير تفاح.. حسب نصائح الأطباء، عدة خيارات تسمح باستمرار العادة. المشي يحتاج إلى حذاء خاص، وممشى مُرتّب، ورفقة، وجو مُعتدل؛ ولذا تتخلى عنه. في "الحاير" كنت أدور كالذئب في الغرفة، وعند خروجنا للفندق -لثلاثة أيام في انتظار لقاء بمسؤول- كنت أدور في الغرفة خائفاً من أن يكون الخروج يعني الابتعاد عن المشي. أهم من المشي ضبط القرآن ومراجعته، وقيام الليل، والنوافل، والصوم.. وكُلها مما صرتُ أتذكَّر معها أيام السجن بحسرة. عادات المجتمع يجب ألا تكون صارمة بحيث تُكسر، ولا لينة بحيث يُجهز عليها، يجب أن تكون ثابتة ومرنة وقابلة للتطوير دون خوف أو صراع .. تعليم المرأة، الدش والتلفاز، الإنترنت، والشبكات الاجتماعية، إجازة يوم السبت، إغلاق الصيدليات أوقات الصلوات، قيادة المرأة السيارة.. إلخ كان هناك شجرة البلوط على ضفة النهر، وعلى ضفاف شجرة البلوط نما قصب كثير، وفي كل يوم كانت شجرة البلوط تتمايل مع الريح بثبات وثقة وشموخ، وكأنها تقول: انظري إليَّ أيتها القصبة الصغيرة، كيف لا أرضخ لشيء، لأنني قوية، والقصبة لا ترد؛ لأن الأمر لا يستحق كل هذا العناء، في ليلة ما هبت عاصفة هوجاء، أكثر بكثير من المعتاد، وعندما انبلج الفجر، كانت شجرة البلوط مقسومة إلى نصفين وقد انجعف معظمها على الأرض، ولكن القصبة الضعيفة كانت قائمةً، تلوح إلى ضوء الشمس، وتتحدث عن العاقبة! أقرب آية لمفهوم المرونة العملية الإيجابي هي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (25،24) سورة إبراهيم. الأصل راسخ وهو الإيمان والمحكم، والفرع متصل بالأصل، ولكنه مرن متحرك يعطي لكل حالة عبوديتها المناسبة، ولذا {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}، وليس عطاؤها مقصوراً على حال دون حال، وهكذا هي الكلمة الطيبة. وأقرب نص نبوي لهذا المفهوم هو حديث البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا ». اليسر مرونة، والمشاطّة عسر وانغلاق. التسديد هدف، وإذا لم يمكن فالمقاربة والمحاولة. والبشرى مرونة؛ تمنح الإنسان في كل حال أملاً وحسن توقُّع. السير القاصد المعتدل يحفظ الراحلة من العطب، ويحقق المطلب دون استعجال أو تهور. {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (4،3) سورة النجم. اللهم صل على معلم الناس الخير. المرونة عادة.