العرب -لندن يوم أمس الاثنين كان اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، وكان من أكثر المحتفلين به، والمتحدثين والمغردين بشأنه، المرأة العربية، التي تتعرض لعنف يومي، يبدأ من التحرش بها لفظا ولمسا وهي في طريقها إلى البيت أو العمل، إلى قتلها تحت طائلة ما يسمى ب"جرائم الشرف"، إلى تطليقها، بعد ثلاثة أشهر من الزواج، لأن زوجها عثر في حقيبتها على سيجارة، كما حدث في السعودية مؤخرا، إلى ما لا نهاية له من ارتكابات لم ينقطع حبلها إلى الآن. أي أن التخلف العربي لا يزال يضرب أطنابه في مضارب الأنثى (العربية) ويسومها سوم العذاب والاحتقار والتقليل من شأنها أو تصرفاتها. وبلغة علمية، المجتمع العربي، كما أشارت دراسة لمركز أسبار السعودي، لا يزال يعد من المجتمعات الأبوية (البطريركية)، حيث تحتل المرأة في التراتبية الاجتماعية موقعا لاتحسد عليه، فمكانتها في معظم مجتمعاتنا العربية تتدنى طبقا لمقولة المجتمع الذكوري وعلاقات النوع gender relations التي تتأسس على إيديولوجية الفروق الصارخة بين الجنسين. وهذه الأيديولوجية تتجذر من خلال الموروثات الثقافية culture من جهة، ومن تفسيرات غير منصفة بل ومتعسفة للنص الديني، ما يشير إلى جنوح التفسيرات الدينية نحو مماهاة الثقافة وتقاليد المجتمع. وأشارت هذه الدراسة القيمة، من ضمن ما أشارت إليه، إلى أن من صور المعاناة التي تواجهها المرأة في معظم الأقطار العربية مشكلة العنف الأسري domestic violence والتي تشي بوجود خلل علائقي بين الجنسين تصبح المرأة ضحيته في نهاية المطاف. والمشكل في هذه العلاقة المختلة بين ذكور العالم العربي وإناثه أن التنشئة الأسرية، التي غالبا ما تقوم بها المرأة، تهيئ الولد الذكر، تربويا، ليكون عنيفا مع جنس الأنثى التي تُصورُ له على أنها الأدنى مرتبة منه، وأنها خُلقت لتخضع لمشيئته وتلبي رغباته، دون إعطاء أدنى اعتبار لكينونتها الإنسانية ومشاعرها. الأم، بالدرجة الأولى، هي التي تغذي ابنها مبكرا بهذا الشعور الذكوري الفوقي الذي يعليه على أخواته، من دون ربما أن تشعر أنها بمثل هذه التربية الموروثة إنما تواصل، كما فعلت أمها من قبل، تقديم صيغ ذكورية ملتبسة ومضطربة نفسيا، تترتب على وجودها في المجتمع أثمان باهظة معنويا وماديا. ومن حضن الأم تتوالى عملية تغذية هذا الشعور الذكوري الفوقي في المدرسة والشارع، إذ أن الأولاد الأقران، وأنا شاهد عيان على ذلك في أكثر من موقف، يتفاخرون أيهم أكثر صلافة، حتى لا أقول أيهم أكثر عنفا، مع أخواته البنات. بل إن المسألة قد تصل، في مجتمع السعودية على سبيل المثال، إلى درجة أن الولد المراهق يستحي من ظهور أخته، كبيرة أم صغيرة، أمام أقرانه، الذين ربما عيروه في رجولته التي لم تمنعه من إظهار أخته أمامهم. وهذا، بطبيعة الحال، ناتج مما يتلقاه الأولاد الذكور من أساتذتهم، ومن مشائخهم أحيانا، من أن المرأة مخلوق يكتنفه «العيب» من رأسه إلى أخمص قدميه، وأن كل ما ظهر من جسدها، قل أو كثر، هو إثم عليها وقدح في دين راعيها (الرجل). وهنا لا مهرب من الاعتراف بأن بعض من يُحسبون على رجال الدين بالغوا، من أجل التكسب الجماهيري، في تصوير خطورة المرأة المستقلة بذاتها أو المتحررة من أعباء بعض العادات والتقاليد السيئة. وفي طريق هذه المبالغة كانت (حُقنهم) للمراهقين بالغة التأثير في ماهية علاقتهم بالمرأة وتخليق احتمالات العنف لديهم، صغارا وكبارا. وليس خافيا أنه قد أصبح من الصعب على الأسرة، المتصالحة مع جنس المرأة، أن تُبقي ذكورها سالمين على خط هذا التصالح، لأنها فقدت إمكانية التأثير فيهم وفي سلوكياتهم لحساب المؤثر الخارجي، المتمثل في الدعاة المتشددين وفي أصدقاء المدرسة والشارع. هذا التأثير الخارجي بلغ في قوته حد التأثير في الأنثى العربية ذاتها، التي باتت تجلد نفسها وتبتلع، راضية، كل ما يُرتكب في حقها من تعسف أو عنف، لأن ما استقر في ذهنها، نتيجة تعرضها المستمر للنصوص الدينية المجتزأة والنصوص الاجتماعية الانتقائية، هو أن طبيعتها الجسدية والنفسية تفرض عليها بداهة الخضوع للذكر. وهي بذلك تقترب أو تكاد من حد الاعتراف بعلو مكانته عليها. وبالتالي فقد تولدت لدى المرأة العربية سلبية هائلة في اتخاذ مواقف تنصفها من العنف الذي يرتكبه الرجل، سواء أكان هذا العنف عنفا فرديا مباشرا يقع من الزوج أو الأب أو الأخ والابن، أم عنفا اجتماعيا عاما، مما تُوقعه الأعراف السائدة عليها. وسلبية ردود فعل المرأة العربية على العنف هي أول ما يجب أن يناقش ويطرح في محافل مكافحة هذا العنف المستشري ضدها، إذ أن سكوت المرأة العربية، خوفا أو حياء أو رجاء، على العنف الذي يُرتكب في حقها يجعلها لقمة سائغة للرجل، الذي يمارس، جراء سلبيتها، غواية ذكورته ضدها. ويعني هذا أن المرأة العربية القائدة والعاملة في مجال منع العنف ضد المرأة، لابد أن تتبنى حملات متواصلة ومؤثرة توعي المرأة، جاهلة أو متعلمة، بحقوقها في حال تعرضت لعنف من أي نوع، خاصة وأن أي بلد الآن، بما فيها البلدان العربية، أصبحت لديها قوانين لمكافحة العنف ضد المرأة. أيضا من المهم في البلدان العربية ألا يكون تعاملها مع ملف قوانين العنف ضد المرأة كتعاملها مع مجمل ملفاتها، أي أن تُصدر القانون ثم تطويه ليلتهمه النسيان والإهمال. من المهم أن تُفعل هذه القوانين بتوفير آليات التطبيق المناسبة التي تحد من ارتكابات العنف وتضعها اجتماعيا في أضيق نطاق. ومن المسؤوليات التي تقع على عاتق المشرّع في هذه البلدان، مع مضي الوقت، مراجعة القوانين وتطويرها ليمكن ملاحقة ما يستجد من أشكال العنف ضد المرأة، فصيانة القوانين لا تقل أهمية عن إصدارها، حتى لا نكتشف فجأة أن قوانين مكافحة العنف أو قوانين التحرش، في هذه الدولة العربية أو تلك لم تتغير نصوصها منذ أيام الاستعمار. وهكذا، مما سبق، يبدو أن مسألة العنف ضد المرأة العربية، في اليوم العالمي لمكافحة هذا العنف، لاتزال تراوح بين الاحتراف والالتباس. الاحتراف من جهة حسن التعامل مع هذا الملف الكبير والشائك وإخضاعه لآليات وتطبيقات حقيقية ودقيقة، والالتباس من جهة مصادر تخليق هذا العنف في نفوس ذكور عالمنا العربي، حيث تتشابك أسباب هذا التخليق العنفي، الذي بدلا من أن يقل في السنوات الأخيرة زاد سعيره، جراء ضغوط اجتماعية واقتصادية تصعب الإحاطة بها.