عكاظ -السعودية نحن نغادر قضايانا الملحة بالسرعة القصوى إذ نثيرها إعلاميا ثم ننساها لكي تذكرنا بها واقعة آنية فنعود إليها مكررين نفس القول ونفس الشكوى ... ومن القضايا المهملة والمتروكة تربية الطفل، والتربية لم تعد مقصورة على البيت فحسب بل غدت تربية البيت أو المدرسة أو المسجد أجزاء لا تحدث تأثيرا عميقا في نفسية الطفل وقد تراجع تأثيرها كثيرا مقابل ما يبث عبر الالعاب أو عبر وسائل التقنية الحديثة، فالطفل الآن يتغذى ثقافيا من خلال ألعابه أو مسلسلاته أو جواله أضعاف مضاعفة مما يعطى من قبل إداوات التربية الكلاسيكية.. وحين ثارت الحروب الكلامية من قبل بعض المشايخ على شخصيات كرتونية مثل ميكي ماوس و«سبونج بوب» كانت حروبا لفظية بسطت المشكلة تبسيطا مخلا للواقع المعاش والخشية العاجزة غير القادرة على مجاراة ما يبث للطفل وكذلك العجز المهول بعدم القدرة على إيجاد البدائل .. وهذا ما يجعل أي منتقد للوضع كمن يريد إيقاف المياه الجارية لمصبها. ونحن على مستوى النقد الكلامي (اشطر من الشاطر حسن).. فمنذ زمن ونحن نلوم برامج الأطفال وألعاب الأطفال وقصص الأطفال متذمرين من مضامينها ومؤكدين أنها قادمة من الغرب أو من الشرق المنحلين البعيدين عن تعاليم الإسلام .. وكأننا نريد العالم كله خدما لنا حتى في نشر قيمنا ومبادئنا!. وهي الشكوى الدائمة حيال أي منتج معرفي أو تقني قادما من الدول المنتجة، هذه الشكوى واللوم ظلا نوعا من التباكي العاجز ولم يرد أي من المتباكين بعث ومناقشة فكرة إنتاج احتياجات الأطفال المسلمين، فجزء من قصور إنتاج الأفلام أو الالعاب للأطفال المسلمين هو تحريم الفنون من قبل بعض المشايخ الذين ظلوا على رأيهم في محاربة تلك الفنون حتى مع التغيرات الجذرية في وسائل التربية والتواصل الإنساني والمؤثرات والوسائل المستخدمة في إرسال الأفكار.. هذا التحريم أبقى صناعة أفلام الأطفال وألعابهم لاتنتج في العالم الإسلامي بل يتم استيرادها من قبل الدول الصناعية المعنية بتلبية احتياجات الأطفال الترفهية، وأي منتج بالضرورة ينتمى إلى ثقافة مصنعية وحين يأتي الآخر المستهلك (من أي موقع في العالم) عليه التعامل مع اللعبة أو الفيلم وفق عقلية وثقافة المنتج وليس وفق ثقافته فإن كان يرى فساد تلك الالعاب أو الأفلام فلينتج ما يروق له.. هذه هي الفكرة ببساطة، فلماذا نثور حين تنتج لعبة تستهدف قيمنا أو رموزنا بينما نحن لم نوجد البديل ولم نسع إلى خلق صناعة أفلام الكرتون التي تؤثر في الطفل تأثيرا كبيرا.. نعم هي تؤثر، ودائما الثقافة الاقوى (بما تنتج) تبث أفكارها عبر منتجاتها، فجزء من القوة سيطرة ثقافتك على الآخر، هذه هي الفكرة ببساطة ومع ذلك لازال بعض المشايخ يدير حربا كلامية حول أفلام الكرتون أو ألعاب الأطفال أو قصصهم ولم يظهر أي منهم وفي أي برنامج يطالب بإنتاج أفلام كرتون تحمل ثقافتنا لأطفالنا بل على العكس إن ظهر أحدهم سارع بالقول:حرام..حرام.. فلماذا التباكي ونحن لا نقدم شيئا أكثر من الاستهلاك ... القضية الأخطر مواصلة الاستهلاك في ظل التحريم لأن في هذا جانب تربوي عكسي يثبت مايتم استهلاكه لا ما يسمعه. [email protected]