صحيفة سبق 3 محرم 1435-2013-11-7 لم تكن الجموع الغفيرة التي شيعت سلطان باهبري إلى مثواه الأخير، والتعازي المتبادلة التي انهالت على وسائل الاتصال الاجتماعي بعد خبر وفاته إلا تعبيراً رمزياً متواضعاً عن المكانة التي يحتلها هذا الرجل في نفوس معارفه وأصدقائه وزملائه والمتعاملين معه، كما أنها لم تكن سوى انعكاس طبيعي للصفات التي يتمتع بها هذا الرجل، فهو لم يكن شخصاً متمكناً في المجالات التي يجيدها فحسب، بمعنى أنه لم يكن شخصاً مهنياً فقط يتميز عن غيره بإتقانه وتجويده المهني، فقد كان سلطان باهبري طبيباً ناجحاً بالمقاييس الفنية، وكان أيضاً تاجراً بارعاً بمواصفات إدارة الأعمال، كما كان أيضاً إعلامياً متميزاً وفق معايير الحقل الإعلامي، ولكن هذه الصفات لم تكن هي التي تميز سلطان باهبري عن غيره وتجعله في عداد الأشخاص الاستثنائيين الأفذاذ، ولم تكن هي التي دفعت بتلك الجموع التي شيعته، والجموع الأخرى التي شاركت عبر وسائل التواصل الاجتماعي في تأبينه، وإنما الذي دفعهم إلى ذلك كان مجموعة القيم والأخلاقيات والمبادئ التي كانت تصوغ تعاملاته وإدارته وأعماله.. الإخلاص، والصدق، والتفاني، والإتقان، والرغبة في الإصلاح، كانت بمثابة أسس ومعايير توجّه عمله أينما حل. في المستشفى التخصصي في جدة وبشهادة الذين عملوا معه كان هاجسه الأول الإصلاح والتطوير وخدمة الناس البسطاء ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وقد بقيت بصماته في إدارة المستشفى بعد انتقاله رغم الصعوبات والتحديات التي واجهها. وفي المستشفى التخصصي بالرياض كانت له أيضاً مواقف إدارية تعكس القيم والمبادئ التي كانت توجّه أعماله وتصوغ أهدافه وتعبر خير تعبير عن انتمائه ووطنيته الصادقة. خاض رحلة تحقيق الطموح بدراسة الطب فحقق أفضل الإنجازات وأعلى الدرجات العلمية، وخاض تجربته مع الإعلام فكان أن شارك في تأسيس شركة إعلامية رائدة في مجال النشر المتخصص، ودخل مجال قطاع الاتصالات فأصاب نجاحاً مبهراً قاد معه الشركة التي شارك في تأسيسها إلى مستويات متقدمة ومناطق استثمارية جديدة. عملت معه وزاملته في شركة روناء للإعلام المتخصص من خلال مجلة "التدريب والتقنية"، وقد كان الرجل مدرسة في الأخلاقيات والمبادئ، فمع أنه صاحب عمل يهدف إلى الربح، إلا أن المبادئ كانت دائماً حاضرة في التفاوض والتعامل والاتفاقيات. رحل سلطان باهبري قبل أن يقدم في هذه الحياة كل ما يملك من قدرات وأفكار توجهها المبادئ والقيم، كان نموذجاً للمسلم الملتزم وللمواطن الصادق المسكون بهاجس الإصلاح، وللموظف والقيادي المحب لعمله ومهنته، وللمثقف الواعي، وللتاجر النزيه في تعاملاته والطموح في أهدافه. رحمك الله يا أبا عبدالله.. وأحسن الله عزاء عائلتك ومحبيك وأصدقائك والعاملين معك.. وكما كنت استثنائياً في حياتك، فقد جاءت مغادرتك الأبدية لهذه الحياة استثنائية ومفاجئة ومؤلمة.. لقد أوجعنا خبر رحيلك وغيابك، فإلى جنة الخلد.. "إنا لله وإنا إليه راجعون".