لعل من نافلة القول التأكيد على علم الإحصاء في حياتنا اليومية لرسم المستقبل أو لمعرفة واقع معين ، وبالتالي فإن الجهات التي تفصح عن أرقامها الإحصائية إنما تدل على قدر كبير من الشفافية التي تعين الباحث والدارس وصاحب القرار على اتخاذ قراره. ويحمد لوزارة العدل إصدارها التقرير الإحصائي السنوي لعام 1433 وفيه تم الإفصاح عن وجود (275) محكمة منها المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف والمحاكم العامة والجزئية ، أنجزت المحكمة العامة (900) قرار من القضايا المرفوعة لها بينما بلغ عدد القضايا المرفوعة لمحاكم الإستئناف بالمملكة (64534) قضية. ربما لا يعرف بعضنا أن عدد الاعمال المعروضة على جميع المحاكم في عام واحد بلغت (618998) عملاً موزعة منها (226989 حقوقية ، 110150 جنائية ، 242933 إنهائية ، أما القضايا المنتهية منها 319746 وهو معدل مقبول نسبياً وفقاً للإحصاءات الدولية المقارنة. لعل ما يلفت النظر بعض الشيء أن المحكمة العليا تختص بتدقيق الأحكام المرفوعة من محاكم الإستئناف بالمملكة وكذلك الواردة من المقام السامي وفي هذا السياق: أعادت المحكمة العليا (365) قراراً بالملاحظة بما يمثل 40% من القرارات التي اتخذتها ونقضت ما نسبته 18% ، في الجانب الآخر نجد أن محاكم الاستئناف صادقت على 50% مما رفع لها من المحاكم ، وأعادت 45% بالملاحظة و 2% بالنقض و 3% بالإلتماس ، ومما هو جدير بالذكر أن أعلى إجمالي عمل لمحكمة الاستئناف كان في مكةالمكرمة بلغ (24850) وهو ما يمثل 38.5% من قضايا محاكم الاستئناف في المملكة، تليها الرياض بنسبة 24% ، وهذه المعلومة تقودنا لمعرفة عدد القضاة في كل منطقة ومتوسط عمل القاضي ومعدل القضاة إلى السكان ونبدأ بمعدل القضاة حيث بلغ 3 قضاة تقريباً لكل مائة ألف نسمة ، وكان أعلى معدل للقضاة في منطقة الباحة بمعدل 7 قضاة لكل مائة ألف ، أما منطقة مكةالمكرمة فكان أدنى معدل للقضاة بمعدل قاضيين لكل مائة ألف نسمة من السكان ، ومن هنا يتضح بعض الخلل في طريقة التوزيع ونقص عدد القضاة في منطقة مكةالمكرمة التي تعد الأعلى من حيث عدد السكان فضلاً عن أن مدينة مكةالمكرمة وحدها تواجه ضغطاً متزايداً في القضايا كنتيجة حتمية للتوجه نحو التطوير الشامل في طليعة التوسعة التاريخية للحرم ومشروع الملك عبدالله لتطوير مكة وإنشاء واستكمال الخطوط الدائرية والبدء في مشروع الطريق الموازي (طريق الملك عبدالعزيز) والبدء في الطرق الإشعاعية واقرار مشروع النقل العام بمكة وكذلك قطار الحرمين ومشاريع معالجة العشوائيات وما إلى ذلك من مشاريع استوجبت ازالة عشرات الألوف من المباني وما تخلفه هذه القضايا من نزاعات في الذرع أو في الملكية أو أوقاف لها شروطها أو خلافات بين الورثة أو ممتلكات للغُيّب، أو مستجدات طارئة كما حدث هذا العام عندما رأت الدولة في شهر جمادي الأولى تقليص عدد الحجاج بنسبة 20% و 50% لحجاج الداخل ريثما يستكمل مشروع توسعة المطاف ، هذا القرار رمى بظلاله على مسائل حقوقية وعقود بين الناس ، المؤسسات ، الشركات ، البعثات الأجنبية إنتهى معظمها بإحالتها إلى المحاكم لتضيف عبئاً ثقيلاً إلى أعبائها الضخمة مما يزيد في النتيجة في تعميق جراح البعض ويلحق بهم الأذى ويخلق أجواء من النزاعات والمشكلات ما الله به عليم، والأمل معقود على وزير العدل الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة لمعالجة وضع القضاء تنفيذاً للتوجيهات الكريمة في هذا الصدد والسعي نحو تنفيذ برنامج تطوير القضاء في بلادنا الذي نلمس بعض ثماره .. والله المستعان.