الأبناء أهم ما نملكه على الإطلاق، وذلك سمى العرب الولد: فلذة الكبد. وبهم نرى وجودنا، فهم الوجه الآخر لنا. الأبوّة والأمومة عصيّة على الوصف، ولا يمكن إلا لمن جربها أن يعيش لذتها، ولكنها بنفس الوقت مسؤولية كبيرة. قرأتُ قبل أيام أن المجتمع السعودي اتجه نحو فكرةٍ حضارية في الواقع، ألا وهي "تحديد النسل"، بحيث يكون لدى الأسرة بضعة أولاد يكون التركيز عليهم عالياً بمستويات الدراسة والعناية بهم، ورعايتهم أفضل رعاية، فبدلاً من إنجاب عشرة أشخاص لتكوين بيت محتاج أو يعاني من أزمات اقتصادية، يمكن إنجاب ثلاثة أولاد مع الراحة والاستغناء عن الحاجة. أيضاً بدلاً من أن تنثر عشرات الأولاد في مدارس تؤسس للجهل، يمكنك أن تنجب بضعة أولاد تضخ على تعليمهم ما أمكنك من مال، فالأولاد كما يقال هم الاستثمار الحقيقي، وبنجاحهم تتحقق البهجة. غير أنني آسى على حالاتٍ من إرسال الأبناء إلى القتال، بدلاً من إرسالهم إلى الجامعات، نرسلهم إلى القبور بدلاً من أن نرسلهم إلى الفصول والقاعات والمختبرات. هل وصل بنا استرخاص الأبناء إلى هذا الحد؟! عشرات ... نعم عشرات، نعرفهم ومن عائلاتٍ نعرفها، في عمر الزهور، ذهبوا إلى ميادين القتال! لأجل ماذا؟! من أجل الموت؟! هذا هو العجب، أن يسمح الآباء أو تسمح الأمهات بإرسال أبنائهم إلى جبهاتٍ هي أكبر منهم وأضخم منهم وأكثر تعقيداً منهم. حتى دعاة القتال -كما يقول فؤاد الهاشم- لم يلتزموا بفتاويهم وإنما هم أول من يُبتعث أبناؤهم إلى الغرب والشرق. فلا يغرنكم منطقهم. أتمنى أن نؤسس لمرحلةٍ جديدة، لا نكرر فيها الأخطاء التي مضت، فشجاعة الذاهبين، وسمو أهداف بعضهم لنصرة المظلومين، لا تكفي لتبرير، أن نفقد فلذات أكبادنا، في معارك مختلطة الأهداف، مشتبكة المقاتلين، غير معروفة الأهداف! بآخر السطر، الساحات المفتوحة من حولنا يجب ألاّ تكون مقابر لأبنائنا، علينا أن نتذكر برنامج الابتعاث التاريخي والذي يستفيد منه أكثر من مئة ألف شاب وشابة، هذا هو البرنامج الذي يجب أن نحتذيه، فلماذا إذاً يرسلون فلذات أكبادهم إلى ساحاتٍ كبرى خطيرة للغاية؟!..