أولئك الذين يقرأون الصحف صباح العيد قد يكونون من الذين ملوا من العيد ومن لم يجدوا فيه متسعاً للفرح، وقد يكونون من الذين يتلذذون بالوحدة ومدمنين لرائحة الورق، وأثق في أنهم من القلة الذين يفتشون بكبرياء عن كلمة تنفذ إليهم كعطر، ويحاولون أن يمرّنون مشاعرهم على الكلمات المفاجئة التي تباغتهم ك«خنجر»! - من يقرأ صباح العيد يفتش عن ذاته التي لم تعد له، فيرغم عقله وقلبه على السفر إلى الأمكنة التي لن يسافر إليها بأية طريقة أخرى، يهرب من الأرق والقلق إلى خانة «الورق»، ولأنه يقرأ.. سأكتب له من باب أن «شبيه الشيء منجذب إليه». - صباح العيد نحمل حقيبة الذاكرة بكل ما فيها من الأسماء والأوراق والحكايات واللحظات والأغنيات والعطور المستدرجة لكل شيء، ننزوي بها ونبدأ في استحضار الصور والابتسامات وما تيسر من الدموع ولا أحد يغامر لنزع هذه الذاكرة لأن نزعها بالكلية يعني مسح الجسد من الوجود. - وحده «الفقد» من يجعل العيد صحراء قاحلة لا بد أن تعبرها كي تصل إلى نسيان تفتش عنه ويداهمك بين وقت وآخر، وحده «الفقد» من يترك العيد داخلك أشبه بطابور صباحي في مدرسة مكروهة، ووحده «الفقد» يثخنك بالجراح، ويمضي بك إلى خوض مهمة شاقة في ابتكار نشيد يليق بعيدٍ قادم! - صباح العيد/ صباح النوم، رؤوسنا تؤدي فيه دور المزهريات المبهرة ساعة مطالعتك لها، ولكننا لا ندقق كثيراً في كون هذه المزهريات من زجاج أم خزف، وإذا كان الفقد يبعثرنا إلى هذا الحد من التوهان وفقدان الانتماء لكل ساعات اليوم، فالحقد يدفن هذه الرؤوس ويقتل الأمل ويصيبنا في مقتل عيداً بعد عيد، نحقد على أنفسنا كثيراً، وكثيراً ما نحقنها بما يسمم البذور الطرية النقية ونسقيها بماء عكر غير صالح للاستهلاك الآدمي، وإن لم نغتسل من الحقد هذا النهار المشبع بالروحانية، فلن يكن ثمة يوم آخر معين على الاغتسال من هذه الخطيئة. - يفترض في العيد أن نتغير على صعيد المشاعر والأفكار، أن نزيح حوائط الصد المترسبة في الرؤوس والمانعة لكل مصافحة جديدة، أن نحب في شكل آخر، ونتفاءل بطريقة مختلفة، ونحتضن ونقبل ونعيش بصفاء، يستحق هذا اليوم أن نجلس لساعة واحدة فقط مع أنفسنا، فليس مستحيلاً أن نفتح صفحة بيضاء ولكن لا يمكن فتح هذه الصفحة إذا عمت الصفحات السوداء حياتنا. - من يعيدنا إلى العيد؟ لأن العيد الثابت ونحن المتحركون، أرواحنا تتفاعل مع الوهج الديني لبضعة أيام ولكنها تتضاءل بعد رحيل الوهج، العيد لنا ولمن معنا وحولنا إن أردنا ذلك، لكنه لن يكون ونحن الوعاء الحاضن للغبار والشكوك والتعصب والطبقية والبغضاء والكراهية والتصنيف والأمراض العقلية، العيد ذاكرتنا التي ترد إلينا مرتين كل عام وفرحنا الذي لا يشيخ، هو «وجهنا» الحقيقي، وما رأيت غيرنا ملّ وجهه! فوجوهنا لم تعد لنا، شيء ما سرقها وأبدلنا وجوهاً مستعارة لا تصلح لعيد ولن تعيدنا إلى «عيدٍ» يرتجف في داخلنا من البرد.