زياد محمد الغامدي - الاقتصادية السعودية بعد أن اصطدم بنجامين لويسكي رئيس سلطة نيويورك المالية بزملائه في وزارة العدل والخزانة في واشنطن, وبعد أن أدى مهمته على أكمل وجه في بدء إصلاح القطاع المالي بشقيه المصرفي والتأميني, وتسليط الضوء على جميع الممارسات المشينة التي كانت تقع في هذا الوسط, التي بلغت حد التغطية على تجار المخدرات والإرهابيين, ها هو بنجامين يصطدم بقبائل أمريكا (الهنود الحمر), الذين وجهوا له رسالة شديدة اللهجة تفيد أنهم لا يخضعون لسلطاته ولا يقبلون تسلطه وقراراته, ولن يثنيهم شيء عن ممارسة استقلاليتهم الاقتصادية والقانونية، التي يقرها لهم القانون الفيدرالي الأمريكي, فقبائل الولاياتالمتحدةالأمريكية, (السكان الأصليون لأمريكا), يتمتعون بصلاحيات تكاد تكون شبه مطلقة في حكم أنفسهم وسن قوانينهم الذاتية, وفي تشريع أنظمتهم القضائية كذلك. ويجادلون أيضاً, بأن لا سلطة على نشاطهم الإقراضي من قبل سلطة المال في نيويورك. فقبائل الولاياتالمتحدة التي يبلغ عددها 16 قبيلة, تنشط في مجال الإقراض عن طريق الإنترنت لذوي الملاءة المالية الضعيفة الذين لا يمكن لهم الاقتراض من المصارف وجهات الإقراض الأخرى. كما أن معدلات الفائدة التي تتقاضاها منشآت القبائل تراوح بين 300 و700 في المائة، وهذا هامش ربح عال بكل تأكيد, إلا أن القبائل تصر على أن ذلك يتوافق ويتماشى مع أنظمتهم الداخلية الخاصة بهم. والسوابق والأنظمة القضائية كافة في الولاياتالمتحدة تقر أن القبائل الأمريكية تتمتع بنظام أشبه (بالحكم الذاتي), حتى قوانين العقوبات لدى القبائل شبه مستقلة ولا تخضع للحكومة الفيدرالية. ولا شك أن نجاح بنجامين في مد سلطاته إلى المنشآت القبلية الأمريكية سيكون سابقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, إلا أنني شخصياً أشك في أنه سينجح. فقبائل أمريكا عانت من الرجل الأبيض المستعمر, وهناك شبه إجماع على عدم التعرض لهم من قريب أو بعيد من قبل كل الأطراف السياسية في الولاياتالمتحدة. وبنجامين لا ينقصه الذكاء لمعرفة حالة الاستقلال شبه التامة التي تتمتع بها القبائل, لذلك لم يتعرض لها مباشرة, بل شمل بعض منشآتها في الرسالة التي وجهها لعدد من المقرضين غير المصرفيين الذين يقدمون قروضهم عن طريق الإنترنت وبفوائد عالية لا تقرها سلطة نيويورك بأية حال من الأحوال, كما شملت الرسالة عدداً من المصارف التي تقدم بنية تحتية للمقرضين هؤلاء, من بينها بنك أوف أميركا وجي بي مورقان. إلا أن رد القبائل في الرسالة التي أرسلوها لبنجامين كانت واضحة، بل بصيغة الأمر أيضاً، حيث جاء فيها ""إننا نوجهك إلى وقف أعمالك الموجهة ضد القبائل الأصلية لأمريكا"", كما جاء فيها ""إننا نرفض وصفك لعمليات منشآتنا المالية بغير النظامية""، وجاء فيها أيضاً ""إننا نعتبر أعمالك وتوجهاتك تهديداً لحقوق القبائل الأمريكية المستحقة في بناء اقتصاد كفء لها""، كما نصت الرسالة الموجهة لبنجامين على ""أن استهداف منشآت القبائل دون الرجوع لممثليها إهانة بالغة للمنتمين للقبائل"", وختمت الرسالة بجملة ""إننا لن نقبل تسلطك وتآمرك, وعليك إيقاف أعمالك الموجهة ضدنا"". كما جاء في الرسالة التأكيد على أن القبائل ستتخذ الإجراءات القضائية المناسبة إن لم يتوقف بنجامين عن توجهاته في التدخل لتنظيم منشآت القبائل التجارية. تأتي حادثة اصطدام القبائل الأمريكية مع سلطات المال في نيويورك لتسلط الضوء مرة أخرى على التعقيدات النظامية والحقوقية التي تقف في طريق إجراءات التحقيق والإصلاح الشاملة والكاملة. فقبائل الولاياتالمتحدةالأمريكية ال 16 تتمتع بحصانة شبه كاملة, كما تتمتع بحكم شبه ذاتي لنفسها, ومتى ما شرّع مجلس القبائل الأمريكي أمراً لا يحق لأية جهة نقضه, فحتى تقاضي عمولة على القروض ب 700 في المائة قانوني طالما أقر مجلس القبائل ذلك. الإصلاح عملية معقدة, لكنه في نهاية المطاف يتحقق متى ما صدقت الرغبة في إنفاذه كما يثبت التاريخ ذلك.