بدأت «موضة» الناشطين، بأنواعهم، منذ ذوي الياقات وربطات العنق إلى ذوي «الشوش»، تتولع بشاشات الفضائيات كما لو أنها تندلق من قلال، حتى أصبح كل من يسير على قدمين ويدب في الأرض، إنما هو «ناشط» مبجل لا ينفك من الحديث عن السوءات ولا يصمت وفي روحه رمق أخير. وجاءنا حين من الدهر، ولا تزال تنوبنا منه رياح، لا نرى إلا مذيعة فضائية عربية، كريمة، مضيئة، بهيجة، ما أن تنتهي من محادثة «ناشط» والتأكيد على أنه «ناشط» حتى تعلق بحديث أو بمشادة حامية الوطيس مع ناشط آخر. ولا تفتح الفضائيات أبوابها العالية الموصدة إلا للناشطين الذين يتناسلون في الربيع العربي ويتخلقون بطفرات جينية عجيبة.. السفير ناشط دبلوماسي، والمعلم المنتفخ الأوداج الذي يتطاير من عينيه الشرر ضد التلاميذ هو «ناشط مدرسي». والميكانيكي الذي يتعلم فنون الإصلاح في سيارات عباد الله هو «ناشط فني». والطبيب الذي يشرح أجساد الناس «ناشط طبي».. وأطرف ما سمعت قبل أيام هو أحدهم قدم في فضائية عربية على أنه «ناشط إعلامي»..! كيف...؟ مع ان الإعلام يمتهنه صحفيون ومحللون ومذيعون وفنيون فقط.. ولا يوجد «ناشطون» قط. إذ الإعلام مهنة تتطلب الاحترافية، وليست نهجاً فكرياً يتطلب نشاطاً للترويج وكسب الاتباع وتجنيد المريدين والمتحزبين. ما علينا.. ! قال سفير أي «ناشط دبلوماسي» أن الأمة العربية، في عصرها الحديث، تتلقى الصفعات والعلقات الساخنة، من صفعات البعثيين والقوميين إلى صفعات اليساريين والشيوعيين والعسكريين المغامرين والمفصومين، وصولاً إلى آخر الصفعات وأكثرها «تدويشاً» وارتدادات، هي صفعة الإخوان. ويوم أمس اتصل ابناء ب«ناشط» غذائي وطلبوا سحوراً منوعاً، أحضره «الناشط الجوال»، أي الموصل إلى باب المنزل. ودفع «الناشط الأسري»، يعني الأب الحساب ريالاً ريالاً، وهو صاغر، وعمه الغم والهم، وأعدت السفرة الناشطة المنزلية، يعني المدام، وقد عمتها البهجة والسرور. وقال «ناشط تعليمي» ان أهم سبب أساسي لارتفاع رسوم المدارس الأهلية، هو أن «الحبل على الغارب»، ورأى أن وزارة التربية يمكن أن تنشغل بتحليلات وأبحاث ودراسات حول الحبل والغارب، قبل أن تقرر أن تمسك بالحبل. وقد لا تجد، آنذاك، أي غارب يسندل عليه الحبل..! وقال «ناشط بلدي» انه يأسف لأحوال الشوارع في الأحياء الفقيرة، ولا يرى أي أمل في أن يستيقظ موظفو البلديات ويشاهدوا ما يحدث، وإذا استيقظوا لا يضمن أن ضمائرهم سوف تعمل بكفاءة. وقال «ناشط إعلامي» انه إذا ما زودت الفضائيات «جرعة» الناشطين الغثيثة هذه، فإنه يخشى أن «يخسف» بها وينزل بها من أعالي السماوات لتكون عجينة «لافا» طرية يلتهمها تنين المدينة المحرمة في إفطاره الشرقي اللذيذ. وتر كل هذا العطش.. وتسابيح ليالي الله.. والتلاوات الشجية.. الومض.. ووجوه المضيئين.. ومدنف يبكي في محاريبه.. يناجي.. يا الله.. أن تفرج كرب.. ودمعة ثكلى.. وأنين موجعات.. أن ينظف قلب من كل غل.. ومما تتلوث به النوايا.. هذه.. أنوار ليالي الله..