كان مساء ما قبل البارحة مساءً اجتماعياً ساخناً بعد أن أجمع المتحدثون بالنيابة والمتحمسون والمنتظرون وعشاق الكوميديا والمحبون للنقد، أن برنامجاً كوميدياً قلّد الداعية السعودية الأشهر محمد العريفي، وبيننا من يحسب النقد أو قول الحقيقة أو كشف المستور، تعدياً على الدين، وطعناً في رجاله وسخرية من ثوابته ومعتقداته، وقبل أن أمضي لإجابة السؤال المتربع في الأعلى، أصفقُ لداعيتنا النشط جداً على الشعبية الجارفة التي يتمتع بها، وهي شعبية لم يحققها من هم أعلى منه علماً ودرايةً وشموليةً، ولكن داعيتنا أدرك كيف تكون الشهرة؟ وما البوابات التي يمكن أن يلجها وينطلق منها؟ مختصراً طريق شهرة بلغ به مبلغ الجوع الذي ليس له شبع، والشهرة في استطراد عاجل «أن تكون معروفاً لدى أناس لا تعرفهم»، وهي تجعل من أي إنسان موضوعاً ساخراً إن قدّم لهم المغريات لذلك، فيرى الناس أن من حقهم أن يشرحوه أمام الملأ، ويتناولوه بالنقد والنهش، ويرون كذلك أن من حقهم تجريده حتى من ملابسه الداخلية في الطريق العام، لأنه برأيهم رجل عام». وللأمانة وللأنصاف والحق، فإن الداعية السعودي محمد العريفي يعتبر ظاهرة محلية مختلفة وقدرة بارعة يجب أن تُدْرَس ولو من زاوية تمكنه من جلب الأضواء الكثيفة له في فترة وجيزة وحضوره الفضائي والإلكتروني المتنوع والمتعدد وصبره وصموده على حجم النقد الذي ينفذ إليه، ولأنه رغب في أن يكون مشهوراً، فعليه أن يحتمل ويتحمل ويراجع ذاته، وما إذا كانت الأوراق التي يصطحبها في أي حضور متسرعة أو متهورة أو جالبة للسخرية أو النقد وليت أنه يجيب على سؤال شخصي حاد، يقول: كيف يرى حضوره كداعية في المشهد المحلي قبل بضعة أعوام؟ وماذا عن حضوره الآن بعد آن فعّل العاطفة أكثر من العقل؟ أعود إلى سؤال العنوان والسخونة العنيفة المصاحبة لمساء التقليد، ألم يكن وجود داعيتنا في كل الملفات، متجاوزاً للمعقول، ومقدماً نفسه كظاهرة صوتية بالمقام الأول؟ ألا يعتبر الوحيد محلياً في إصراره على أن يكون في آن واحد وتوقيت قصير «داعيةً وشيخاً ودكتوراً ومفتياً وسياسياً وكاتب رأي ومؤلفاً ومحاضراً وخطيب جمعة ورحالة ومجاهداً ونجم شباك ومحبوب قنوات وبطل تواصل اجتماعي»! كنت أتمنى أن يؤمّن لهذا الاندفاع مكابح تعمل بذكاء، وأن يستوعب أن خطة اللعب على اللغة العاطفية باتت مكشوفة، فهو يرتكب أخطاءً كبرى حين يصل بحماسة الجماهير المعجبة به إلى اعتبار أن الداعية هو الدين! وأيّ مساس به هو مساس بالدين، واعتباره خطاً أحمر هو ومن يشابهه بغض النظر عن الصحة والخطأ! وليت أن جماهير العاطفة تتريث قليلاً وتكتشف لماذا كان العريفي وحده المقلد من بين الدعاة! وهل كان بإمكانه أن يتفادى مقصلة النقد وحكاية السخرية؟ أقسم لكم أن بإمكانه تجاوز كل هذه المساحات الضيقة وتجاوز الفلاشات المضرة، والعبور بثبات لكل الشرائح والأطياف والعقول، كي نقتنع ونتفاءل ونتحمس بأنه استثناء ديني ملفت، لا ظاهرة ضوئية صوتية.