للمحكمة الجزئية أن تصرف النظر عن أية قضية ترى أنها ليست من القضايا التي تدخل في دائرة اختصاصها، وليس لنا أن نناقش المحكمة الجزئية عن صرفها النظر عن تلك القضية أو نتدخل في ما هو من اختصاصها أو خارج عن اختصاصها. وللمحكمة الإدارية أو ما يعرف بديوان المظالم صرف النظر كذلك عما لا يراه داخلا في دائرة اختصاصه من القضايا. وكما لا ينبغي لنا أن نناقش المحكمة الجزئية في ما تحكم فيه لا ينبغي لنا أن نناقش المحكمة الإدارية، فكلتا الجهتين القضائيتين أدرى بما يندرج تحت اختصاص كل واحدة منهما. غير أن ما يمنحنا الحق في التساؤل هو أن يتضمن قرار المحكمة الجزئية بصرف النظر عن قضية ما الحكم بأن تلك القضية من اختصاص المحكمة الإدارية، في الوقت الذي يتضمن قرار المحكمة الإدارية بصرف النظر عن القضية نفسها الحكم بأنها من اختصاص المحكمة الجزئية، وذلك ما حدث للمواطن الذي تقدم لكلتا المحكمتين بطلب تعويضه عن حبسه مدة زائدة على المدة التي حكم عليه بها («عكاظ» 28/شعبان/1434) فصرفت كلتا المحكمتين النظر عن طلبه مؤكدة كل واحدة منهما أنها من اختصاص المحكمة الأخرى. ولنا أن نزعم حيال هذين الحكمين المتعارضين المتناقضين المتصارعين أن إحدى هاتين المحكمتين لا تعرف ما هو داخل في دائرة اختصاصها، كما أنها لا تعرف ما هو داخل في دائرة اختصاص المحكمة الأخرى، هذا إذا أحسنا الظن بالمحكمتين، وينبغي أن نحسن الظن، فلا نزعم أن واحدة من المحكمتين تعجلت في حكمها ولم تدقق في ما ذهبت إليه أو أنها أرادت أن تعفي نفسها من التصدي للحكم في هذه القضية التي يتظلم فيها مواطن من جهاز حكومي وأن تترك أمر التصدي لها للمحكمة الأخرى. ومما يزيد من حيرة المواطن صاحب القضية وحيرتنا جميعا أن هذه القضية ليست هي القضية الأولى من نوعها وقد تم الحكم في قضايا مماثلة على نحو أنصف أمثاله من المواطنين وسجل كعلامة بارزة تشير إلى نزاهة القضاء لدينا، وقد كان الأولى أن يتم البت في قضية المواطن سواء بتعويضه أو بعدم تعويضه وذلك بناء على ملابسات حبسه مدة إضافية، لا أن يتم تركه يقلب كفيه حيرة وكل جهة قضائية تحيله إلى الجهة الأخرى.