مع أنني أمقت الحديث في السياسة، إلا أن ما يحدث في العالم العربي من تناقضات تنعكس على مسار حياة الإنسان البسيط الذي لا يريد سوى سكن يؤويه آمنا مع أبنائه وعنده قوت يومه، ولكن هذه الثورات العربية والطائفية المقيتة التي قد تسلب أبناء هذا الرجل البسيط إما من خلال أدوات التواصل الإلكتروني، أو بقذيفة تنسف أحد أبنائه، وقد يصله مقطع (يوتيوب) للتمثيل بهذا الولد لأنه ينتمي إلى حزب (.....) وقد لا يعرف من هذه الأحزاب سوى انتماء أصدقائه لها أو حبيبته المصون. فقبل ست سنوات تقريبا وقفت في ميدان التحرير، وشدني مجموعة من الشباب المصري يهتفون بإسقاط نظام حسني مبارك مع ترديد ألفاظ غير لائقة في شتم هذا المخلوع، ثم ازدادت أعداد الشباب والبنات الذين يعلقون لافتات ويصرخون عبر (ميكرفونات) بشتم هذا المخلوع حتى تكونت مسيرة أشبه بمسيرة حفلات رأس السنة، كل هذا وأنا أجرب (كامرتي )الثورية، ولم أشعر إلا بسيارات الشرطة المصرية تحوطني مع هؤلاء المتظاهرين، ولولا لطف الله ثم السائق المحترم، لأصبحت نهايتي مثل سيد قطب، أو لمكثت في عزلة محمود شاكر أرثي الحلم العربي. إن من يريد أن يعرف كيف صرنا إلى هذه الحياة الفاسدة لابد أن يكون من مراجعه الرئيسة (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) لمحمود شاكر، فمن المحزن حقا أن يكون من زميلاتي المصريات من لم تتمكن من زيارة أهلها وبلدها خوفا على أبنائها مما سيحدث يوم أمس، وأن يكون هذا اليوم 30 يونيو هو المتحكم في أن تصل رحمها من عدمه. وأعتقد أن محمود شاكر العلامة المصري الغيور على دينه وعروبته لو انتظر الربيع العربي قبل كتابة هذه الرسالة، لقرر الاعتزال في جزر الواق واق. فشاكر إلى جانب أنه محقق وأديب، فهو صحفي قوي يطبق قوله عليه الصلاة والسلام (لايمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه). فهل هؤلاء الرجال موجودون الآن أم أنهم أيضا معزولون في جزر الواق واق؟! الفتى محمود شاكر كما كان يطلق عليه كان لا يحب ثناء النقاد على ما يكتب، وكان يرى أن النقاد في عصره غير قادرين على النقد العلمي لما يكتبه مع أنه عاصر طه حسين والرافعي. لم يكن شاكر يخرج عن صمته إلا عندما تخدش لغتنا العربية، فقد كان يتعامل مع العروبة بقدسية مختلفة تجعله يعظم من ينتمي إليها استنادا إلى أن الله عزوجل هو من أعطاها هذه القدسية بنزول القرآن بلسان عربي، وبأن هذه اللغة هي لغة أهل الجنة. وقد يعتقد من يقرأ في سيرة شاكر أنه يشجع العنصرية خاصة عندما يحاول هذا الشيخ تأكيد نسبه إلى الحسين بن علي، ويسعى أيضا إلى البحث عن جذور علوية لشاعره المفضل المتنبي من جهة أمه، فقد كان يأنف من نسبة المتنبي إلى السقاء، واستطاع أن يثبت حقا أصول هذا الشاعر العربية القحة. والحقيقة أن محمود شاكر لم يكن يعظم هذه الأصول العربية إلا انطلاقا من عشقه للغة القرآن، حتى أنه ورد عن هذا الشيخ العلامة عشقه للشعر الجاهلي، فنسج على منواله قصيدته الطويلة (القوس العذراء)، وعندما تقرأها تشعر أنك تقرأ لشاعر جاهلي، فما أجمل أن تسكن أبيات القصيدة العربية القديمة، خاصة إذا كان من يدرسها يعشق العربية بكل مدلولاتها، مثل الشيخ محمود شاكر ومثل شيخي الدكتور محمد أبوموسى الذي عشنا مع تراتيله الشعرية لحظات سحرية مقطوعة من الزمن. وبعد هذا التعظيم من الخالق سبحانه للغتنا العربية، وتسمية ديننا بالإسلام ،أما آن للعرب أن يتحدوا ويبتعدوا عن الطائفية!! أليس معنى الإسلام مشتق من السلام والمسالمة؟! ألا نخجل من أنفسنا عندما نشاهد ديانات أخرى في الدول الغربية تتعامل مع مطالبها بسلمية نحن أولى بتطبيقها؟! ما الذي يحدث للعرب؟! هناك من يطالب بتقسيم سوريا لترضى جميع الأحزاب؟! وهناك من يقترح أكثر من حاكم لمصر لترضى جميع الطوائف؟! هل هذا ماكنا نحلم به؟! هل سنصبح دويلات تحارب بعضها البعض، وإذا اتحدنا، فسيكون لدينا دول الاتحاد السوري، ودول الاتحاد المصري، وبقية الدول الأجنبية تنتظر لتحكمنا بعد أن تتلقى الإشارة من المستشرقين بزوال وحدتنا، و(استرخاص) دمائنا!! أتمنى أن يكون ذلك أحلام يقظة فقط، وأن أستيقظ على نهضة إسلامية عربية يتسابق العالم الغربي لابتعاث أبنائهم لجامعاتنا كما كنا سابقا، وأن تحذف هذه المقاطع الثورية من كتب التاريخ، لأنها لن تكون عبرة لأمة لا تعتبر.