درعم يدرعم درعمة، ودرعم الشيء أي وضعه في غير مكانه، ويقال فلان درعم أي أنه انساق خلف القطيع، والدرعمة ظاهرة برزت على السطح أخيراً في شكل لافت، ولغة هي الاصطفاف مع القطيع، وورد على لسان «المقاوم الهمام» «بن جدو» أنني لا أحب السير خلف قطيع تقوده الذئاب، فقلنا: وما حسن نصر الله؟ فقال إنما هو حمامة سلام! ويحكى أن مقرباً من بن جدو يدعى عطوان، يعشق السير خلف القطيع لا ضمنه، قلنا: وكيف ذلك؟ فقيل: إنما هو يدعم الثورات جميعها ويحاربها في آن! قلنا: تلك آية نفاق. فقال: بل هي «درعمة»! وتنشط «الدرعمة» عادة في الأزمات، وأخيراً أعلن رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي اكتشاف خطئه في الدفاع عن حزب الله، وأن علماء السعودية كانوا أبعد بصيرة منه، فأثنى عليه المفتي العام، لكن فريقاً لم يكتفِ بذلك، فطفق «مدرعماً» ليصنع من القرضاوي بطلاً استثنائياً، لتتوالى عبارات التبجيل والتفخيم للقرضاوي بعد أن كان «نسياً منسياً» مع سبق الإصرار والترصد. والقرضاوي مرشد «المدرعمين» بلا منازع، فقالوا: وكيف ذلك؟ قلنا: إن كثيراً من جنود الجيش السوري «النظامي» استجابوا لدعوته على حدّ قوله، وتركوا بشار الأسد وشكلوا الجيش الحر، فتعجبنا أيما تعجب، وحمدنا الله كثيراً أن استجاب الجيش النظامي لدعوته، وإلا لما كان لدينا جيش حر، يبحث عن تحرير بلاده من الطغاة، ولولاه ودعوته الكريمة أثابه الله لما «درعم» معظم جنود النظام. «مرشد المدرعمين» لم يكتفِ بذلك، بل ظهر أخيراً في اجتماع أُطلق عليه مؤتمر: «علماء الأمة» للدعوة إلى الجهاد في سورية لمقاومة حزب الله بعد أن عاد إلى رشده، ما زلزل أميركا ودفعها لإعلان تسليح المعارضة والجيش الحر، فتساءل نفر قليل، هل سيذهب العلماء للجهاد أيضاً ومقاتلة «الصفويين»؟ فقلنا: ويحكم! ومن يبقى هنا ليدعو إلى الجهاد لتحرير القدس؟ قالوا: حسناً، لكن ما سبب التأخير في إطلاق هذه الدعوة على رغم أن تدخل حزب الله لدعم الطغاة كان جلياً منذ أكثر من عامين؟ قلنا: التمسوا لعلمائكم العذر، فلربما كان السبب في صلاة الاستخارة، ف«المرشدون» أثابهم الله يقرأون سورة البقرة بعد الحمد. و«الدرعمة» يا إخواني لا تقتصر على الصعيد الدولي، فهناك الشق المحلي عبر «خلايا مدرعمة» في كل دولة تنام دهراً وتصحوا فجأة ل«تدرعم» مع أول قطيع ينطلق نحو أي قضية، وأقربهم ذلك الذي حرّم زيارة دبي مدرعماً مع القطيع المنادي بمقاطعتها لأسباب عدة، تبدأ بصغار المنكرات وتمر بالسينما وتنتهى ب«العاهرات» والعياذ بالله، بخلاف أولئك الذين يحرّمون كل ما لذّ وطاب، حتى «السمبوسة» وبعض أنواع الفاكهة. «درعمة الشيوخ» ليست جديدة، فبعد أعوام من مقاطعتهم للقنوات التلفزيونية «درعموا» فجأة، فظهروا في كل شكل ولون، وفي كل قناة بما فيها قنوات «الهشك بشك» بعد أن كانت الصورة الفوتوغرافية حراماً ومنكراً لا يجوز إتيانه، لكن في عصر «الدرعمة» بتنا نشاهد شيوخاً «مدرعمين» في الشوارع والأسواق ب«بوسترات» إعلانية تنافس هيفاء وهبي وأحلام التي دُعيت للتوبة إلكترونياً أخيراً، وإن رمضان لقريب بلّغنا الله وإياكم صيامه وقيامه. لاحقتني الدهشة من «المدرعمين» مرة تلو الأخرى، فبعد 196 عاماً من كتابة روايته، بُعث الكاتب الفرنسي «ألكساندر دوماس» من جديد ليبث لنا صور الأشخاص الذين تحدث عنهم في روايته «الفرسان الثلاثة»، بيد أن الصورة التي التقطت لهم لم تكن في بلاد الفرنجة بين فرنسا ولندن، بل في الطريق إليها عبر جبال تركيا الوعرة حين ظهر «الشيوخ الفرسان» على سروج الخيل وهم يلوّحون بسيوفهم الخشبية، في لقطة كانت «درعمة» إعلانية لم تخلُ من الطرافة، وبدت وكأنها - على رواية الشيخ الأسمراني - نوع من «الهياط»، حتى إنني كنت أتأملها وفي مخيلتي أغنية سميرة توفيق «فوق الخيل فوق الخيل... شد العزم شد الحيل»، وتعوذت من إبليس خوفاً من أن تنبثق الفكرة لدى أحد الشيوخ فيضعها في إعلان «تلفزيوني»، ف«الدرعمة» لا تأتي بخير على الدوام!