أصبح الحديث عن الفساد وكأنه من الممارسات الطبيعية الاعتيادية في حياتنا العامة، والدليل على ذلك انتشار كثير من الأمثال الشعبية تتردد على الألسن، ومن ذلك مثلا «ادهن السير يسير» قول على شكل نصيحة لمن تتعطل أعماله، ويقولون «اطعم الفم تستحي العين» ويصف الناس عمل الفساد بالشطارة والفهلوة والتسليك في جملة (سلك أمورك)، الفساد مع الأسف صار جزءا من السلوك العام، ومحاربته لا تتم بالعقوبات ولكن بإعادة التربية.. ليس في نصوص مكتوبة ولكن باتباع طرق ووسائل حديثة، لقد أعجبني ما كتبه الأستاذ عيسى الحليان في عكاظ (27/5/2013) بأن مكافحة الفساد ينبغي أن تبدأ من مسار آخر غير الذي تنتهجه هيئة مكافحة الفساد لكنه لم يبين لنا المسار الذي يراه والذي أراه هو في إعادة التربية، وفي إعطاء النماذج الصالحة، وسد احتياجات الناس. مازلنا نتبع سياسة العصا لمن عصا دون البحث في الأسباب المؤدية للتجاوز وللمخالفة. وزير العمل يهدد يوميا بتوقيع العقوبات على مخالفي تصحيح أوضاع العمالة باعتبارهم مزورين وبغرامات تقص الظهر فأين الحلول لسد حاجات المواطن من العمالة؟ ولماذا لم تفعل شركات الاستقدام ليجد الناس سد حاجتهم عندها، مسؤولون يقرعون رجال الأعمال على استخدامهم «دهن السير» لتمرير معاملاتهم فأين تبسيط الأنظمة ووضوحها حتى لا يلجأ أحد للمخالفة؟ لماذا يوجد نقص في الخدمات، بحيث لا يمكن الحصول عليها إلا بالواسطة. الفساد بمعنى الرشوة وغيرها هي بنت الضرروة والصعوبة، لو تأمنت حاجات الناس، ونظرنا لظروفهم وحاجتهم وسهلنا إجراءات حلها لانخفضت أسباب الفساد. إن تعقيدات الإجراءات والأساليب القديمة في الإدارة هي البيئة الحاضنة للفساد.