اليوم، ومنذ ساعات الصباح الأولى، تنطلق أول محاكمة في تهمة جنائية (يصنفها النظام في خانة الجريمة الإلكترونية)، وهي القضية التي رفعها القاضي عيسى الغيث ضد الدكتور محمد العريفي، كونه قام بإعادة نشر قصيدة مسيئة للقاضي الغيث من خلال التويتر، فما كان من الأخير إلا أن غرد بتغريدة وجهت للدكتور العريفي بأن يعتذر خلال 24 ساعة، وعندما مضت مهلة الزمن المضروب للاعتذار تقدم القاضي الغيث برفع دعواه. وهي قضية تحزب حولها المساندون والمعاضدون، وذهب كل فريق مذهبا في الدفاع والنقض، ولم تخل المرافعات بين الأنصار من الشتائم والتهم، وهو الأمر العجيب، إذ يؤشر أننا نمتلك شهوة الإيذاء من غير تدبر. وخلال الأسبوعين اللذين سبقا موعد المحاكمة قيل الكثير، إلا أن نقطة غياب الوعي القانوني غاب عن تلك الحوارات، وغاب معها احترام حقوق الآخرين في الذود عن سمعتهم بأي طريقة نظامية تردع من يتجرأ على هتك تلك الحقوق، إذ نلحظ تفلت الكثيرين من أداب الحوار والقفز إلى الاتهامات الصريحة والمبطنة من غير خشية، إذ لم يردع هؤلاء الشتامين والمشوهين خلقا أو دينا، فغدت وسائل التواصل سوقا مفتوحة للشتم والقذف، وكأن من حق من يمتلك لسانا أن يدليه في أعراض وسير البشر. وللأسف، فإن خصلة قذف الآخرين تغذينا بها من الشارع، ومن المدرسة، ومن البيت، فلم يعد أحد في مأمن من تهمة أو شتيمة! وبعيدا عن الانتصار لأحد الشيخين في القضية التي ستكون محل اهتمام شرائح متعددة، كونها تسن قاعدة مهمة لتجنب سيل الشتائم والتهم المتدفق من أفواه الشتامين، إلا أني كنت أتمنى أن يكون فضاء المحاكمة هو وزارة الثقافة والإعلام، كونها المختصة فيما ينشر (وأظن أن القضية سوف تحال من المحكمة للوزارة لعدم الاختصاص)، ولو توجهت مثل هذه القضايا إلى المحاكم، فسوف تضيف عبئا مهولا على القضاة، وخصوصا أننا ما زلنا نشتكي من قلة القضاة حيال القضايا المعروضة في المحاكم، فلو فتح الباب للاحتكام حول شتم أو قذف ما ينشر في وسائل الإعلام، فسوف تختنق المحاكم بمثل هذه الدعاوي وقضايا الناس الملحة والمعلقة داخل المحاكم منذ زمن هي الأحق بأن تجد قضاة لإنهائها. أعود، وأقول بعيدا عن الانتصار لأحد الشيخين: دعونا بهذه المحاكمة نذكر أولئك الذين انهالوا على رموز الوطن شتما ولعنا وتخوينا أن الفضاء الإلكتروني لم يعد متاحا لكل قاذوراتهم التي يلقونها صباح مساء. وأتمنى أن تكون هذه المحاكمة أداة تربية لمن تخلى عن ضميره وانساق لعربدته (اللفظية) في تشويه سير الناس، فالاختلاف لا يعني الشتيمة، بل يعني أن توضح رأيك وتنقض الرأي الآخر كفكرة وليس تصفية مخالفيك بألفاظ تسيء بها إلى نفسك قبل خصمك.. ويبدو أن هذه المحاكمة ستعلمنا ألف باء قانون.