في الآونة الأخيرة، حدث تطور مهم في مجال تطوير مرفق القضاء السعودي، وهو صدور «نظام التنفيذ». في السياق التالي، نسلط الضوء على جانب من أهمية هذا التطور. «نظام التنفيذ» الذي صدر مؤخرا في السعودية يعد نقله نوعية في مرفق القضاء السعودي، وبتطبيقه وبدء العمل بمقتضى نصوصه يتحقق الكثير من الأهداف النوعية التي تضمنها. كما أنه سيساهم في إنهاء كثير من القضايا التي كان يطول النظر في موضوعها قبل الفصل فيها، وكثير من المختصين في الشأن القضائي والمحاماة يرون أن فيه اختصارا في الوقت والإجراءات، ويحقق تخفيفا للعبء على المحاكم. هذا النظام تفرضه قواعد الشريعة الإسلامية التي بيّنت أهمية قضاء التنفيذ، وحرصت عليه وشرعت في وضع الضمانات الكفيلة بسرعة اقتضاء الحقوق من المدينين بها جبرا عنهم في حالة رفضهم التنفيذ طوعا واختيارا بطريقة تتناسب مع مقتضيات العصر ومستجدات الزمن. ومن ثم، فإن التنفيذ لا يعتبر مستقلا عن القضاء، بل هو جزء أصيل منه، ويعد مرحلة من مراحله، لذا يطلق عليه قضاء التنفيذ، الغرض منه الشروع في التنفيذ الجبري للالتزامات، بوضع نظام وإجراءات قوية تلزم المدين تنفيذ التزاماته المستحقة، في مواجهته بما يسمى السندات التنفيذية. وهذه السندات التنفيذية هي التي تحمل التزاما لمصلحة الدائن، بمقتضاها يتم إجبار المدين على تنفيذ ما يتضمنه جبرا عن إرادته في حالة امتناعه طواعية، عن طريق الاستعانة بالسلطة التنفيذية. وهذه السندات تتميز بخصائص تميزها عن غيرها، تتمثل في أن حاملها لا يحتاج إلى أي إجراءات إضافية لإثبات أنه صاحب الحق؛ فوجود السند في يد حامله عامل كاف بحد ذاته لإثبات ذلك، كما تتميز بأنها الوسيلة الوحيدة لإجبار المدين على تنفيذ التزاماته، فلا يقبل طلب إلزام أي شخص بالتزام معين ما لم يتحقق في الورقة المقدمة شروط السند التنفيذي المنصوص عليها في صلب المادة (9) من نظام التنفيذ. لقد حدد النظام الشكل والمضمون اللازم وجودهما في أي سند تنفيذي، كما حدد الأوراق التي يمكن اعتبارها سندا تنفيذيا؛ وبالتالي لا تعتبر أي ورقة سندا تنفيذيا ما لم ينص النظام على اعتبارها كذلك. وتنقسم السندات التنفيذية إلى عدة صيغ أوردها النظام، على سبيل الحصر لا المثال، فلا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها حسب ما نصت عليه المادة (9) التي نصت على أنه لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي بحق محدد حال الأداء. والسندات التنفيذية هي: الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة من المحاكم، وأحكام المحكمين المذيلة بالصيغة التنفيذية وفقا لنظام التحكيم، ومحاضر الصلح التي تصدر من الجهات المخولة ذلك أو التي تصدق عليها من المحاكم، والأوراق التجارية، والعقود والمحررات الموثقة، والأحكام والأوامر القضائية وأحكام المحكمين الصادرة من بلد أجنبي، والأوراق العادية التي يقر بمحتواها كليا أو جزئيا، والعقود والأوراق التي لها قوة التنفيذ بموجب النظام. على هذا المقتضي، فإن النظام قد أكد وجوب أن يتحقق في السند شروط إحدى صور السندات الواردة في المادة آنفة الذكر، مثال ذلك: إذا كان السند التنفيذي «حكما»، يجب أن يكون قطعيا غير قابل للطعن، وهو ما أكدته المادة (10) من نظام التنفيذ: «لا يجوز تنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر جبرا ما دام الاعتراض عليها جائزا...». كما يشترط أن يتضمن السند التنفيذي حقا ثابتا للمدين، مستحق الأداء، غير معلق على شرط أو مضاف لأجل، فإذا كان الحق الذي يتضمنه غير مستحق الأداء فإنه يفقد شرطا من شروط تنفيذه جبرا، كما أنه يجب أن يكون الحق الذي يحمله السند معين المقدار؛ لأن اقتضاء الحق جبرا من المدين يستلزم أن يكون هذا الحق معينا حتى يمكن تنفيذه، مثال ذلك لا يجوز تنفيذ الأحكام التي لا تتضمن حقا معينا كحكم إثبات الحالة. كما أكد النظام ألا يخالف مضمون السند التنفيذي أحكام الشريعة الإسلامية، فإذا كان الحق المراد تنفيذه مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية يمنع تنفيذه، أما إذا كانت المخالفة واردة على جزء مما يراد تنفيذه؛ يجوز تنفيذ الجزء الصحيح فقط (مادة 9 -1 من اللائحة التنفيذية لنظام التنفيذ)، وإذا استحال تنفيذ الجزء الصحيح دون المخالف في هذه الحالة لا ينفذ السند كاملا. يحسن القول هنا في الختام، إن نظام التنفيذ ضرورة حتمية يقتضيها النظام ويؤيدها مقتضى الشرع الحنيف، وفي مقولة الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خير برهان إذ قال: «فإنه لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له». * محام سعودي