زين العابدين الركابي - الشرق الأوسط اللندنية حين فجر الإرهابي العنصري الأميركي (ماكفي) في أوكلاهوما سيتي: تعجل مرجفون بإلقاء التهمة على عرب ومسلمين.. هنالك، سارع الرئيس الأميركي – بيل كلينتون يومئذ - إلى لجم ذلك الإرجاف وقال – بحسم - : ((يجب ألا نستبق نتائج التحقيق، ويجب أن نكف عن الاستنتاجات المتعلقة بالأوطان والجنسيات والأديان)). وهذا موقف مسؤول، وقف مثله الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما. فقد تعجل مرجفون أيضا بتوزيع الاتهامات بعيد تفجيري بوسطن، إذ سارع أوباما إلى التوكيد على أن الجهات المختصة الأميركية (تجهل) الفاعلين حتى الآن، أي بعد وقوع الحادث بساعات ست.. ثم كرر أوباما ذات التصريح بعد مرور ما يقرب من 24 ساعة من وقوع التفجيرات.. ثم بعد مرور 48 ساعة أدلى مدير الاستخبارات القومية الأميركية (جيمس كلابر) بشهادة أمام الكونغرس – في جلسة مغلقة - قال فيها: ((إن طالبا سعوديا أصيب في انفجاري بوسطن، ولا يزال يتلقى العلاج في مستشفى محلي، وإن هذا الطالب لم يصنف –أصلا - كمشتبه)).. هذه معلومات إخبارية موثقة صدرت عن أكبر رأس في أميركا وهو الرئيس الأميركي، كما صدرت عمن يملك الملف الكامل والدقيق عن المعلومات المتعلقة بالأمن القومي الأميركي بحسبانه مدير الاستخبارات القومية الأميركية. وعلى الرغم من ذلك كله: تعجل أناس بتوجيه اتهام مرعب إلى (السعوديين)، بمعنى أن الفاعل أو الفاعلين هم (سعوديون)!!!!!!! (تريليون علامة تعجب). فمن الظواهر الغريبة الشاذة (التي تصنف في خانة اغتيال الذات، لا جلد الذات فحسب).. من هذه الظواهر: أن هناك من سارع من السعوديين، في ال«تويتر»، وفي فضائيات، سارع هؤلاء إلى إلصاق التهمة ببني جلدتهم وقوميتهم ودينهم فقالوا – ما جمله: إن المجرم الفاعل (سعودي) ألقي عليه القبض وهو بين يدي المحققين، وكرروا ذلك كثيرا، ومن النائحين (أو المغردين) في ال«تويتر» من قال: لماذا نحن السعوديين هكذا، نعتدي على الأبرياء الآمنين، ونحرم المبتهجين من فرحتهم وبهجتهم.. إلى آخر ما جاء في حفلة هؤلاء النائحين؟ والحق أن هذه ظاهرة غريبة تستحق الدراسة النفسية والاجتماعية والإعلامية والسياسية. لماذا يتطوع بعض الناس بإلصاق الجنايات والفظاعات الإرهابية بأبناء عمومتهم، وأتباع دينهم؟ ما الدافع وراء ذلك؟ هل الدافع هو (عقيدة راسخة) بأن السعوديين – بحكم إسلامهم وجيناتهم - هم أصل الشر، ومنبت الإرهاب بإطلاق؟ لئن زعم ذلك دانيال بايبس، وبرنارد لويس فهذا أمر مفهوم من حيث إن هذين الرجلين يحقدان على كل شيء عربي إسلامي بل قد تمنيا أن يخلو وجه الأرض من كل ما هو عربي وإسلامي. لكن أن تتبدى عاهة التعجل باتهام السعوديين بكل جريمة إرهابية تقع في العالم بوجه عام، وفي أميركا بوجه خاص.. أن تتبدى هذه العاهة من سعوديين، فهذه هي الظاهرة الغريبة المريبة!! هل الدافع هو الرغبة في (التمايز الحضاري) عن مجتمع (متخلف) – في نظرتهم - يقتات بالعنف – حسب زعمهم - ؟.. والحق أن مجالات التمايز كثيرة، ولكن ليس من بينها: ظلم مجتمع كامل ابتغاء التظاهر بهذا التمايز، فممارسة حرية التمايز تصبح – ها هنا - عدوانا على حريات الآخرين وحقوقهم وسمعتهم. هل الدافع هو: تحريض الشعب الأميركي، والجهات الأمنية والإعلامية الأميركية على السعودية: - شعبا وحكومة ومنهجا -؟ بيد أن هذه مهمة قام بها الأعداء بعيد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001.. ويتوجب أن تظل الفروق – الذهنية والمعيارية والعملية - ثابتة وواضحة بين الصديق والعدو، بل بين الذات المأمونة، والآخر غير المأمون، لكي لا يتحقق المثل القائل (يؤتى المرء أو الوطن من مأمنه). ولعله حان حين توجيه المقال وجهة أخرى في ذات الموضوع (موضوع الإرهاب وبلاياه). بلا تملق للأميركان – وغيرهم من أمم الأرض - نقول: نحن ضد الإرهاب بإطلاق بسبب مضمونه الباطل، وباعثه الشرير، ووسيلته الخبيثة الخسيسة.. منذ قليل ذكرنا الإرهاب الذي ضرب في أوكلاهوما سيتي منذ سنين.. في ذلك الإبان كتبنا – في هذا المكان من هذه الجريدة - مقالا بعنوان (جريمة أوكلاهوما قتل للبشرية كلها).. وقلنا – في ذلك المقال - : إن وراء جريمة أوكلاهوما فكرا يؤمن بأن العنف هو طريق التغيير، وهو فكر مدمر على كل حال، والدليل على ذلك: صورته المادية التدميرية.. حقيقة ماذا يفعل الإنسان في هذه الحياة؟ أيتحرك ويمشي إلى عمله داخل مصفحة؟. وحتى لو فعل ذلك فإنه حين يترك مصفحته، ويذهب إلى مكتبه قد ينسف مكتبه من فوق أو من أسفل، وحتى لو نجا من ذلك فإن نفثة من غاز (السارين) مثلا يحملها الهواء إلى أنفه وفمه ورئتيه كفيلة بقتله أو إصابته بعاهة دائمة.. كيف يتصور الوضع لو كان (انفجار أوكلاهوما) نوويا، بمعنى أن القتلة الذين اقترفوا هذه الجريمة الهمجية كانوا يملكون (سلاحا نوويا) مصغرا، ومكيفا مع هذا النوع من العمليات الإرهابية؟.. مجرد تخيل الأمر: يملأ النفس فجيعة ورعبا، ولكنه مع ذلك احتمال غير مستبعد. فعصابات (ترويع) البشرية قد اجتذبت إلى صفوفها شرائح من ذوي المؤهلات العالية في الفيزياء والكيمياء والكهرباء ونظم الكومبيوتر.. ثم إنه من خصائص التقدم التقني: تصغير أحجام الأشياء: كيف كان حجم المذياع بادئ ذي بدء؟ وكيف هو الآن؟.. ثم ألم يتوصل التقدم التقني إلى دغم ملايين بل مليارات المعلومات في مثل طابع البريد؟.. يضم إلى ذلك: إمكان اختراق نظم المعلومات الدفاعية وهو إمكان رأي الناس نماذج واقعية منه غير مرة (منها مثلا اختراق نظم المعلومات في إسرائيل في الأيام القليلة الماضية). لماذا اخترنا عنوان (جريمة أوكلاهوما قتل للبشرية جميعا)؟ لأن مضمون العنوان مستمد من آية المائدة التي نصها: ((أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)). فكلمة (نفس) جاءت منكرة، ولذا فهي تشمل كل نفس بشرية بغض النظر عن دينها وجنسيتها وموطنها. ونتم المقال بمطارحة عن سبل مكافحة وباء الإرهاب. لقد فسرت ظاهرة الإرهاب تفسيرات خاطئة أدت إلى علاجات خاطئة: 1 - فقد عللت الظاهرة ب(غياب الديمقراطية)، وهو تفسير غير صحيح بهذا الشمول والاستغراق، فالذين يمارسون العنف لا يطالبون بالديمقراطية – في الغالب - بل يكفرون بها أيما كفران، ويعدونها أعظم (مفسدة) في الحياة البشرية.. يضم إلى ذلك أن العنف والإرهاب السياسي والاجتماعي ظهر –مثلا - في بلدان مثل: آيرلندا الشمالية، وإيطاليا، وألمانيا، وإسبانيا، وإسرائيل، والهند، وهو يضرب اليوم في الولاياتالمتحدة الأميركية. وهذه كلها دول ديمقراطية: لا تنقصها الأحزاب، ولا المعارضات، ولا حرية التعبير. 2 - وعللت الظاهرة – كذلك - بشيوع الفقر وضغوطه النفسية والاجتماعية.. ونحن لا نقلل من التذمر الذي يتسبب فيه الفقر، ولكن لو كان الفقر – وحده - سببا للعنف والإرهاب لأصبح أكثر من نصف البشرية – أي 4 مليارات إنسان – كلهم إرهابيين. لقد تأملنا ودرسنا ظاهرة العنف والإرهاب فوجدنا أن جذرهما الغائر، وأصلهما الأصيل هو (الفكر الشرير).. فكل جريمة إرادية على الأرض مسبوقة – بالضرورة - بفكرة شريرة في الدماغ. ولقد ألفنا في ذلك كتابا كاملا عنوانه (الأدمغة المفخخة)، فالسيارة أو البناية المفخخة نتيجة تلقائية ل(أدمغة مفخخة)، فتفخيخ الدماغ سابق – وعلة - لتفخيخ السيارة أو البناية.