امهما اتسعت دائرة البحث عن أسباب الإرهاب فإن سبب الانحراف الفكري سيظل في المرتبة الأولى وتأثيره هو الغالب. وهذا المرض الفكري يمكن أن يظهر في أي بيئة وبعده أشكال كالعنف والغلو والتطرف والإرهاب ويصيب كل من له استعداد نفسي وعقلي، فلقد ظهر ذو الخويصرة وهو جرثومة الخوارج، ونبتتهم الأولى في عهد النبوة وظهر الخوارج في صورتهم الكبيرة في عهد علي رضي الله عنه وكلا العهدين كان فيهما من العدالة والرشد والمناخ الطيب ما لا يسمح في سياقه العام بوجود ظاهرة الغلو والعنف ولكنها وجدت كحالة مرضية شاذة. وقد فسرت ظاهرة الإرهاب وأسبابه بعدة تفاسير ثبت بدراسات تحليلية بحثية خطأ جلها ولم يكن هناك ملامسة لطيفة أو ضعيفة للمنطقة الأساسية لتصدير العنف للإرهاب وهي منطقة (الدماغ) أو الذهن والفكر في حين أنه كان يجب أن تظهر هذه المنطقة بالاهتمام الأول والأعظم والأطول لأن كل جريمة (إرادية) على الأرض مسبوقة تفكيرا وزمنا بفكرة شريرة في الدماغ، فالفكر الإرهابي هو الجريمة في مرحلتها الجنينية، أما الفعل الإجرامي الإرهابي فهو وليد هذه الفكرة ونتاجها إذا الجانب الفكري ودوره الوقائي والاستباقي هو المعني، فالقضاء على الإرهاب يستلزم القضاء على مسبباته وجذوره من خلال إيجاد استراتيجية فكرية تربوية تشترك فيها جميع مؤسسات المجتمع، يتم من خلال هذه المنظومة الفكرية التربوية التركيز على الأسباب الحقيقية للإرهاب مع دراسة شاملة للظروف النفسية والاجتماعية والأسرية التي تدفع هؤلاء الشباب إلى اعتناق هذا الفكر المنحرف، وعندما نريد التكلم عن الظواهر والأسباب الداخلية أو الخارجة للإرهاب يجب أن نتناولها بفهم وعلم وصدق ووضوح وشفافية وصراحة، وأن نتلمس الأسباب ونبحث عن الدوافع ونصف الظاهرة ونضع الحلول ونطرح العلاج لنجتث هذه الظاهرة من أساسها ونقتلع الغراس من جذورها وأن لا يكون كلامنا لعلاج أزمة وقتية ونقاش ظاهرة أمنية بل نكتب للتاريخ ونوضح للأجيال ونشرح للمستقبل. ولعل من أبرز الأسباب الداخلية التي توصلت إليها من خلال بحثي العلمي في دراسة هذه الظاهرة ما يلي: الجهل بالدين وقلة العلم الشرعي، وعدم مناقشة المسائل التي أدى الجهل بها إلى وقوع كثير من الشباب في براثن الإرهاب، إضافة إلى أخذ الفتوى من أنصاف العلماء أو من خطيب جائر أو من مواقع مشبوهة مثل الإنترنت وممن يخالفوننا في المذهب والمعتقد مع تجرؤ حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام على الفتوى، ولي النصوص الشرعية وتفسيرها بما يتوافق مع أهوائهم ومعتقداتهم، فضلا على عدم متابعة كثير من أولياء الأمور لأبنائهم والبعد عنهم وعن أسرهم أدى إلى حدوث فجوة بين الشاب وأسرته ومن ثم المجتمع، إلى جانب وجود وقت الفراغ الذي يلعب دورا مباشرا في انضمام الشباب للانحراف والجماعات المتطرفة. نقص المستوى التعليمي، يساعد على سرعة الانتماء للجماعات الإرهابية حيث إن بعضهم لا يحفظ غير قصار السور، والحل يكمن في ربط المؤسسات التعليمية والمخرجات منها بالمؤسسات المهنية والكليات التقنية وزيادة دعم المشاريع الصغيرة والتوسع في إيجاد الفرص الوظيفية والعمل على نشر ثقافة احترام المهن الحرفية وإحلال المواطن في كثير من هذه المهن من خلال تهيئته لها. هناك بطبيعة الحال عامل خارجي يساهم في تنامي الفكر المتطرف ونمو الجماعات الإرهابية. وما زالت الأعمال الإرهابية تختبر تصميمنا على محاربتها وتمتحن عزيمتنا على التصدي لها، ليس للإرهاب مبررات مقبولة، لكن له جذور ومسببات ينتعش في ظلها ويتغذى من تفاقمها، كما إنه من الضروري تجفيف مصادر تمويل الإرهاب، فإن تحقيق نجاح حاسم ضد الإرهاب يتطلب العمل الحثيث على تجفيف منابع الفكر المتطرف داخليا وخارجيا.. حفظ الله بلاد المسلمين من كيد الكائدين وعبث العابثين. د. محمد بن حمود الهدلاء