عندما يكون المثقف من نوع (الوصي) فإنه سيفشل ولاشك، وسيفقد محبة وثقة المجتمع، إذاً لابد أن تكون العلاقة علاقة شراكة وتعاون د. فهد بن سعد الجهني - المدينة السعودية أقصدُ بالمثقفِ هنا: (كلُّ من له خطاب مسموع سواء كان خطاباً ثقافياً أو فكرياً أو دعوياً)، لا يمكن للمثقف الواعي بهذا المعنى- أن ينفصلَ أو ينعزلَ عن مجتمعه، مهما كانت طبيعة هذا المجتمع! فالمفترض فيه هو العناية بالشأن العام، ولن يحدث هذا دون أن يكون ذا علاقةٍ جيدةٍ مع مجتمعه، ملماً بهمومهم وتطلعاتهم وشجونهم. وهذا أمرٌ مهم ولاشك، ولكن هناك أمرٌ مهمٌ آخر وهو: كيفية هذه العلاقة؟ ومدى قدرة المثقف على كسب مجتمعه وبالتالي التأثير فيه؟! فهذه العلاقة (قد تأخذ منحى وصاية من المثقف على المجتمع! وقد تأخذ منحى مشاركة، وقد تأخذ منحى تبعية المُثقف للمجتمع..) زكي العليو/ المثقف بين المجتمع والسياسة. وعندما يكون المثقف من النوع الأول (الوصي) فهو سيفشل ولاشك وسيفقد محبة أو ثقة المجتمع، إذاً لابد أن تكون العلاقة علاقة شراكة وتعاون وبناء، أساسُها: الثقةُ والمصداقية، وأهمُ أدواتِها: المنهج العلمي في الطرح. ولكن هناك معادلة قد تبدو صعبة أو دقيقة؛ وهي: مدى الموازنة التي يستطيع تحقيقها المثقف بين قناعاتهِ الشخصية وتكوينه الفكري وبين رغبات وعوائد وتقاليد مجتمعه! وهنا مربط الفرس ومحل العُقدة! فالمثقفُ لا بد أن يكون واعياً لدِقةِ وأهميةِ هذه الموازنة وتلك المعادلة، بحيث لا تذوبُ شخصيتُه وينقلب المجتمع ليُصبح هو المُحرِّك والمُوجِّه للمثقف،وفي المقابل: يكون واعياً للثوابت التي يؤمنُ بها مجتمعه (محكم الدين/ ثابت الوطن)، والتي يتأثر بها المجتمع ويُقيِّمُ من خلالها توجه ومصداقية هذا المُثقف أو ذاك! وأقول هنا: إن المثقف له آراؤُه وقناعاته ولا شك، والأصل أنه ينطلق في طرحهِ وكتاباته من خلال هذه القناعات، ولا ينبغي أن يقولَ أو يكتبَ شيئاً وهو يرى أنه خلاف الحق أو الصواب! وقد يصدر شيء من هذا من بعض المثقفين ولا نستثني الدعاة أو المفكرين الذين قدْ يقع بعضُهم في أحوالٍ مُعينة تحت ضغط الواقع أو المجتمع أو الجماهير كما يقال! وهذا لا يليق بالمثقف الواعي الذي يصدرُ وينطلق من علمٍ وعمقٍ فكري. ولكن: ثمةَ مسائل ورؤى قد يتبنَّاها المثقفُ وتكون صادمة أو غير منسجمة مع ثوابت الدين أو الوطن، وهنا تقتضي المصلحة العليا والموازنة الواعية أن يُفكِّر المثقف ملياً قبل أن يتكلم أو يكتب، ويوازن بين مصلحة الكلام والطرح؛ وبين مصلحة ترك ذلك توقعاً لمفاسد أخرى وإشكالات قد تقع أو ستقع حتماً!! وعند عدم التفكير الواعي والانفلات الفكري في هذا الاتجاه تكون النتيجة حصول (التأزم والاحتقان) في المجتمع كلِّه! بمعنى: عندما لا يوفق مثقف أو كاتب ما في طرحه ويجنح جنوحاً غير عادي وغير مبرر ويتحدث في مسائل ليست من تخصصه؛ فيفتي مثلاً أو يرجح رأياً شرعياً يحتاج إلى تأهيل علمي شرعي كبير! أو عندما يكتب آخر كلاماً صادماً يمس الذات الإلهية أو مقام النبوة بما لا يليق! أو يطرح طرحاً طائفياً يُفرِّقُ ولا يجمع! فإن أولئك كلهم سيدخلون في أزمة وسُيدخلُون المجتمعَ كلَّه في أزمة، ويبدأ جو التأزم وتبادل التُهم والشك والاحتقان! وهذا النوع من الأفكار والتوجهات وما كان في دائرتهِ، يجبُ الكفَّ عنه وعدم الخوض فيه لأنه يصطدم بما ذكرناه من ثوابت (ثابت الدين والوطن)! أما الآراء الأخرى التي قد تخالف المشهور والمتعارف عليه في نسيج المجتمع والتي لا إشكال في وجودها في ممارسات المجتمع بشكلٍ عام، فهنا إن رأى المثقف أو الكاتب أن المصلحة العليا والعامة تقتضي عدم طرحها أو تأجيلها أو تخفيفها فهذا هو المتعين والذي ينبغي ولا شك! ولذلك أصلٌ من سنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم والمُوحى إليه! فقدْ كان يرى أو يتمنى تقرير أو فعل أمرٍ ما -مما لا يدخل في باب الواجبات- ولكنه يتركه أو يُؤخّرهُ لمصلحةٍ أعظم، خشيةَ ألا يَفهمه عامة الناس أو يفهموه على غير وجههِ الصحيح.. إلخ، فكان يتركه مع محبته لفعله صلى الله عليه وسلم!